من هو العارف بالله تعالى ؟ :
لفضيلة مولانا العارف بالله تعالى الشيخ محمد أحمد الطاهر الحامدي رضي الله عنهم وعنا بهم :
ــــــــــــــ
تقديم
جرى في هذه الترجمة كلمة ( العارف بالله )
كما يقع ذلك كثيرا فى كتب القوم
ولما كان كثير من الناس لا يعرف من هو العارف بالله
ويسأل عن حقيقة معناه
رأينا ان نبين ذلك على سبيل الاختصار فنقول :ـــ
العارف فى لسان القوم هو
الكامل فى العلم والعمل ،
الذى يكون على حالة واحدة
حتى فى اختلاف الطوارق ،
فهو من عرف الله تعالى بصفاته وأسمائه
معرفة يقينية ،
معرفة كشف وشهود
لا معرفة نظر واستدلال ،
وتحقق بمقامات الدين وأخلاقه الكريمة
وتمكن فيها
من
زهد
ويقين
وصبر
وتوكل على الله تعالى
واخلاص له
ومحبة لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم
وكرم
وشجاعة
ورحمة
وشفقة ... الخ
بحيث لا يتغير ولا يتحول عن ذلك فى
شدة ولا رخاء
ولا غنى ولا فقر
ولا فى سر ولا فى جهر
لكون هذه المقامات والأخلاق قد امتزجت بلحمه ودمه
وسرت فى كليته ظاهرا وباطنا ،
تجرى اعماله ومعاملاته على مقتضاها
بلا تكلف
ولا معاناة
إذ صارت له طبعاً
فى جميع أحواله ،
لا يحتاج إلى تذكير بها
ولا إلى أسباب فى تحصيلها
كما قيل :
لا تحسبونى فى الهوى متصنعا * كلفى بكم خلق بغير تكلف
وعلامة ذلك :
أن يتأثر جليسه بما عنده
ويستريح إلى حديثه فيها
حتى ولو لم يقو على العمل بها ،
ومن هنا قيل :
العالم : يقتدى به
والعارف : يهتدى به .
وسئل أبو اليزيد البسطامى عن العارف ؟
فقال :
من لا يرى فى نومه غير الله تعالى
ولا فى يقظته غير الله تعالى
ولا يوافق غير الله تعالى
ولا يطالع غير الله تعالى .
وقيل لأبى يعقوب السوسى :
هل يتأسف العارف على شيء غير الله تعالى ؟
فقال :
وهل يرى غيره
فيتأسف عليه ؟!!!
وهذه ثمرة طريق القوم ومزيتها التى خصها الله تعالى بها
كما دلت عليه التجارب وشهد به الواقع –
وذلك لأنها كما قال الأستاذ الوالد فى قصيدته الحائية الآتى ذكرها فيما بعد :
تجلو البراقع عن فؤاد مريدها * وتمده التجريد بالترشيح
ولحضرة الإطلاق تدخل نجلها * وتفيده الإفهام بالتلميح
وتكفه حيث استمال مع الهوى * كفَّ اللجام لكلِّ ذات جموح
يعنى أنها
تخمد الصفات النفسية وتذهب آثارها المذمومة
من كبر وعجب ورياء
وحسد وحقد وحب للشهوات
وتجرِّد القلوب لله تعالى,
أى تزيل الأغيار عنها
وتفرغها من كل ماسواه عز وجل
من مال وجاه وحب مقامات
وغير ذلك من الحظوظ الدنيوية ،
فلا يكون لها نظر إلا إلى الله تعالى ولارغبة فيما سواه .
وهذه الحالة يسميها الصوفية :
الطّى الحقيقى
والطى الأكبر,
كما قال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله تعالى عنه :
" ليس الشأن من تطوى له الأرض
فإذا هو بمكة
أو حيث شاء من البلاد ,
إنما الشأن من تطوى عنه أوصاف نفسه
فإذا هو عند ربه تعالى. "
وقيل لبعضهم :
إن فلانا يمشى على الماء
فقال :
" عندى
من مكنه الله تعالى من مخالفة هواه
فهو أعظم من المشى على الماء والهواء" .
وبمقدار تخلى الإنسان عن صفات نفسه المذمومة
تحصل معرفته بالله تعالى
ويتحقق بمقامات الدين السَنِية
ويتحلى بالصفات الحميدة
والأخلاق الكريمة
وهذا معنى قول الإمام الجنيد رضى الله تعالى عنه :
" التصوف أن يحييك الله تعالى به
ويميتك عنه "
أي :
يرزقك الله تعالى حياة القلب به
حتى لا تلاحظ أحدا سواه ،
وتشهده فى كل حركة وسكون ،
وحتى يكون هواك تبعا لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم
وما كان عليه من الأحوال والأخلاق ،
وهو معنى قولهم :
" التصوف :
الدخول فى كل خلق سَنِي
والخروج من كل خلق دَنِي "
ومتى وصل العبد إلى هذه الحالة
تتوالى عليه النفحات الإلهية
ويحظى بالمشاهدات العلية
ويشرق قلبه بنور اليقين
الذى هو كما قال أحمد بن عاصم رضى الله تعالى عنه :
نور يجعله الله تعالى فى قلب العبد
حتى يشاهد به أمور آخرته
ويخرق به كل حجاب بينه وبينها
ويطالع الآخرة كالمشاهد لها .
.ومثل قول بعضهم :
المعرفة للعارف مرآة فى قلبه
يرى بها الغيب الذى دعى إلى الإيمان به .
فالفرق كبير بين العارفين
وغيرهم من أصناف العلماء .
وفى أواخر الرسالة القشيرية
قال الأستاذ :
" الناس إما أهل فكر ونظر
وإما أهل نقل وأثر ,
والقوم- يعنى الصوفية
ارتقوا عن هذه الجملة
– أى جمعوا المعقول المنقول
ثم جاهدوا نفوسهم
حتى وصلوا إلى مشاهدة الحقائق –
فما للناس غيب
فهو لهم شهود ,
وما للناس مقصود
فهو عندهم موجود.
كما قال القائل :
ليلى بوجهك مشرق * وظلامه فى الناس سارى
فالناس فى سُدَفِ الظلام * ونحن فى ضوء النهار
والقلب الإنسانى فى أصل جوهره
مستعد إلى الوصول إلى هذه المرتبه
لولا العوائق والشواغل
وغلبة الحظوظ والشهوات
قال صاحب المباحث الاصلية :
فلم تزل كل نفوس الأحيا *. علاًّمة درَّاكة للأشيا
وإنما يعوقها الأبدان * والأنفس النزُّع والشيطان
فكلُّ من أذاقهم جهاده *, أظهر للقاعد خرق العادة
وأشار إلى ذلك مولانا العارف بالله تعالى سيدى أحمد بن شرقاوى رضى الله تعالى عنه فى
مورده الرحمانى
حيث قال:
والسر فى لوح الحشا مسطورُ *محقَّقُ لكنه مستور
بظلمة الوجود والطبيعة * فاهلِك تحد عن مهمه القطيعة
ومعنى قوله : فاهلِك
أى تخل عن حظوظ نفسك وشهواتها.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه بمنه وكرمه آمين)
تحررفى 3 من شهر رجب سنة 1389هجرية
الموافق 15 من سسبتمبر سنة 1969ميلادية
الفقير : محمد أحمد الطاهر الحامدى
ـــــــــــــــــــــــــــمن كتاب : ترجمة العارف بالله تعالى سيدي أحمد الطاهر الحامدي ،
لنجله مولانا العارف بالله تعالى سيدي محمد الطاهر الحامدي رضي الله عنهما
ــــــــــــ
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله عدد كمال الله وكما يليق بكماله