تحت اشراف فضيلة العلامة الشيخ فراج يعقوب حفظه الله
recent

جديد

recent
random
جاري التحميل ...

شرح قصيدة أنتم فروضى ونفلى


بسم الله الرحمن الرحيم
قال قدس الله سره :
أنتم فروضى ونفلى  * انتم حديثى وشغلى
(انتم) خطاب للحضرات الالهية والتجليات الاسمائية فى كل شيء من الاشياء الحسية والمعنوية .
وقوله (فروضى) جمع فرض وهو ما اوجبه الله تعالى ، سمى بذلك لان له معالم وحدوداً ، يعنى جميع ما أفعله من الفرائض بكم لا بنفسى فأنتم أوجبتم علىّ ذلك ، وأنتم تفعلونه كما فعلتمونى ، قال تعالى ( فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا) المزمل الاية 9 ، وقال تعالى ( وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) الانعام الاية 102  .
والوكيل بالوكالة المطلقة جميع ما يفعله من الافعال العادية وإنما يفعله للموكل لا لنفسه فهو يتصرف عنه فى جميع حركاته وسكناته فى ظاهره وباطنه ، والموكل لم يفعل شيئاً وإنما فعل الوكيل عنه ، ولم يفعل الوكيل شيئاً لنفسه ، فالوكيل فاعل وليس بفاعل ، والموكل فاعل وليس بفاعل ، وهذا حكم الله تعالى على خلقه من إنسان وغيره من جميع الاشياء الحسية والمعنوية ، والله يحكم لا معقب لحكمه .
 وقوله (ونفلى) النفل ما تفرضه على نفسك بنذر أو شروع من العبادات ، يعنى وأنتم نوافلى أيضاً فافعلها بكم وتفعلونها بى ، فانا فاعلها ولست بفاعلها ، وأنتم فاعلوها بالوكالة عنى ولستم بفاعليها لانفسكم .
وقوله (أنتم حديثى) يعنى وأنتم كلامى وحديثى .
وقوله (وشغلى) اى جميع ما انا مشتغل به فى الظاهر والباطن .

ياقبلتى فى صلاتى * إذا وقفت أصلى
جمالكم نصب عينى * إليه وجهت كلى
وسركم فى ضميرى * والقلب طور التجلى
(ياقبلتى) ينادى الحضرات الالهية وهى الوجه الظاهر بالتجليات الربانية ، من قوله تعالى (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) البقرة الاية 115 . والقبلة بالكسر التى يصلى نحوها والجهة والكعبة ، وقد ورد ( ان الله فى قبلة أحدكم ) الحديث .
وقوله (فى صلاتى) أى أنا مستقبل وجه الحق إذا استقبلت القبلة فى حال الصلاة ، لا مستقبل جدار المسجد لأنى لا ارى المسجد ولا الجدار وإنما أرى وجه الحق فأستقبل له ( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) القصص الآية 88 .
وقوله (إذا وقفت اصلى) فإن وقوفى به له ، والصلاة منه لى ، لا منى له ، وهى رحمة فإن الصلاة منه الرحمة ، وهى منى عبادة له وشكر لإنعامه على وهو الشكر بها له .
وقوله (جمالكم) اى الظاهر منكم على كل شيء بانواع شتى للحواس الخمس وللعقل .
وقوله (نصب عينى) اى اشاهده ولا اشاهد غيره .
وقوله (إليه) اى الى جمالكم .
وقوله (وجهت وجهى) اى ظاهرى وباطنى .
وقوله (وسركم) اى ما اعلمه منكم مما لا تسعه العبارة والخطاب للحضرات الالهية كما سبق .
وقوله ( فى ضميرى) اى فى قلبى .
وقوله ( والقلب) اى قلبى .
وقوله (طور التجلى) اى جبل الانكشاف الالهى كما ورد (( ما وسعنى سماواتى ولا ارضى ووسعنى قلب عبدى المؤمن )) ومعنى طور التجلى انه تعالى يناجينى من قلبى لاستيلائه عليه وتدنيه اليه بتجليه لديه .

انست فى الحى ناراً * ليلاً فبشرت أهلى
قلت امكثوا فلعلى * اجد هداى لعلى
دنوت منها فكانت * نار المكلم قبلى
نوديت منها كفاحا * ردوا ليالى وصلى
جتى اذا ما تدانى الميقات * فى جمع شملى
صارت جبالى دكاً * من هيبة المتجلى
ولاح سر خفى * يدريه من كان مثلى
وصرت موسى زمانى * مذ صار بعضى كلى
(آنست ) أبصرت ،
وقوله (فى الحى) وهو البطن من بطون العرب والجمع احياء ويكنى به المنزل إشارة الى مجموعه ظاهراً وباطناً ،
وقوله (ناراً) هى حرارة عشقه ومحبته الالهية الناشئة من قلبه ،
وقوله (ليلاً) منصوب على الظرفية اشارة الى ظلمة طبعه ومزاجه العنصرى
وقوله (فبشرت اهلى) اى نفسى وقواها الظاهرة والباطنة ،
وقوله (قلت امكثوا) اى لا تذهبوا من مكانكم وانتم على ما انتم عليه لا تفنوا لانكم فانون ،
وقوله (فلعلى اجد) بالسكون فى جواب الامر وهو امكثوا ، واسم لعل الياء وخيرها محذوف تقديره اجد مرفوعا دل عليه المذكور واعترض بجملة الترجى استدراكاً لما وقع منه بالقطع بالوجدان ولم يقع القطع بالوجدان من موسى عليه السلام فاقتدى به فى ذلك ويمكن ان يكون سكون أجد لضرورة الوزن او نية الوقف وتكون اجد خبر لعل ، والوجد مأخوذ من الوجدان وهو الكشف والذوق والحس لا مجرد الخيال والتفكر ،
وقوله (هداى) بفتح ياء المتكلم اى اهتدى الى حقيقة اهلى المشار اليهم بقوله لهم امكثوا كما اشرنا اليهم والاهتداء انما يكون الى الحق تعالى ،
وقوله (دنوت) اى قربت (منها) اى من تلك النار المذكورة ،
وقوله (فكانت) اى فظهر لى انها ام تزل ،
وقوله (نار المكلم) بفتح اللام اسم مفعول وهو موسى عليه السلام الذى كلمه ربه ،
وقوله ( قبلى ) اى فى زمان بنى اسرائيل لما ارسل اليهم وناره كانت تجلياً الهياً بصورة النار فى شجرة الزيتون قال تعالى ( وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَامُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى) طه الآيات 9-12 ـ
وقوله (نوديت) بالبناء للمفعول ،
وقوله (منها) اى من تلك النار التى هى نار الله الموقدة المطلعة على الافئدة ،
وقوله (كفاحاً) مصدر كافح فلاناً واجهه مكافحة وكفاحاً كما فى القاموس ،
وقوله (ردوا) اى ارجعوا ،
وقوله (ليالى وصلى) اى الليلات التى واصلتمونى فيها وهو أحوالى العدمية الثابتة فى حضرة العلم القديم ولا يحصل ذلك الا بعد الفناء والاضمحلال بالكلية ذوقاً وكشفاً ،
وقوله (حتى اذا ما تدانى) ما زائدة والتدانى التقارب يقال تدانى بمعنى دنا قليلاً قليلاً ،
وقوله (الميقات) هو الوقت وهو هنا كناية عن الكشف وارتفاع حجاب الاغيار المسدول على القلوب والافكار ،
وقوله (فى جمع شملى) يقال جمع الله شملهم اى ماتفرق من أمرهم كناية عن ملاقاة المحبوب الحقيقى بكشف حجاب اللبس ،
وقوله (صارت جبالى) اى مانجبل منى فى الظاهر والباطن ،
وقوله ( دكاً) اى مدكوكة دكاً من الدك وهو الدث والهدم ،
وقوله (من هيبة) اى عظمة ،
وقوله (المتجلى) اى المنكشف وهو الحق تعالى الذى هو المحبوب الحقيقة فانه اذا جاء الحث زهق الباطل ،
وقوله (ولاح) اى ظهر وانكشف ،
وقوله (خفى) وهو ما يكتم من الامر الالهى والشان الربانى ،
وقوله (يدريه) اى يعرفه ذوقاً وكشفاً ،
وقوله (من كان مثلى) اى عارفاً محققا بنفسه وبربه عن كشف وشهود وعيان ،
وقوله (وصرت موسى زمانى) اى وارثاً علم موسى فى الزمان الذى انا فيه ،
وقوله (مذ) اى حين ،
 وقوله (صار بعضى) اى كل بعض منى ،
 وقوله (كلى) اى جميعى يشير الى قوله صلى الله عليه وسلم فى حديث المتقرب بالنوافل ( كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصر به ) الى آخره .اهـ

فالموت فيه حياتى * وفى حياتى قتلى
انا الفقير المعنى * رقوا لحالى وذلى
(فالموت) الفاء للتفريع على ما قبله ، والموت مفارقة الحياة فان العارف المحقق إذا عرف نفسه وجدها فى يد الحق كالقلم فى يد الكاتب ، لكن القلم لا قدرة ولا ارادة له ولا سمع ولا بصر ، ونحو ذلك من صفات الانسان ، وأما الانسان فان له كل ذلك على وجه الكمال والحق تعالى هو المتصرف فى ظاهره وباطنه وليس الانسان مع ذلك بمجبور لانه مريد قادر ولا هو خالق لما يريد لانه مخلوق .
وقوله (فيه) اى فى محبة هذا المحبوب الحقيقى .
وقوله (حياتى) يعنى موتى الذى ينكشف لى هو حياتى الازلية الابدية لانها حياته تعالى .
وقوله (وفى حياتى) يعنى حياتى الاولى التى هى مجرد توهم منى انى حىّ بنفسى اذا انكشف لى الامر على ما هو عليه .
وقوله (قتلى) اى وجوب قتلى شرعاً لان ذلك دعوى خالق آخر مع الحق تعالى حى بنفسه وهو كفر موجب للقتل.
وقوله (انا الفقير) اى المفتقر الى الحق تعالى فى ذاتى وصفاتى واحوالى ظاهراً وباطناً .
وقوله (المعنّى) بتشديد النون من عنانى كذا يعنينى عرض لى وشغلنى فانا معنى به والاصل مفعول والاشارة بذلك انه مشغول بالمحبة الالهية لا ينفك عنها وهى محبة الحق تعالى له من قوله سبحانه (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) المائدة 54 .
وقوله (رقوا) فعل امر من رق الشيء يرق من باب ضرب خلاف غلط ورقت الوالدة على ولدها من باب تعب حنت وعطفت يعنى حنوا واعطفوا علىّ .
وقوله (لحالى) الحال صفة الشيء يعنى حنوا واعطفوا على صفاتى التى تعلموها منى فى محبتكم .
وقوله (وذلى) من ذل ذلا اذا ضعف وهان وهو ذل الميت بين يدى الحى ، والفانى بين يدى الباقى ، والمعدوم بين يدى الموجود والباطل بين يدى الحق وذلك ذل حقيقى لا ينفك عن العبد ازلاً وأبداً وهو فى مقابلة عز الحق تعالى الازلى الابدى .أهـ
--------------
شرح ديوان ابن الفارض من شرحَى : 
الشيخ بدر الدين الحسن بن محمد البورينى ( ت 1024 هــ )
والشيخ عبد الغنى بن اسماعيل النابلسي ( ت 1143 هـــــ )

عن الكاتب

ناجح رسلان

التعليقات



الإشراقات المحمدية تحت اشراف فضيلة العلامة الشيخ فراج يعقوب حفظه الله

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

الإشراقات المحمدية