شرح قصيدة أُشاهدُ مَعنى حُسنِكُم

قال قدس الله سره:

أُشاهدُ مَعنى حُسنِكُم، فَيَلَذّ لي * خضوعي لديكمْ في الهوى وتذللي

(اشاهد) مضارع شاهد مثل عاينته وزناً ومعنى .

وقوله (معنى حسنكم) اى أثر حسنكم والخطاب للاحبة من حيث الظهور الالهى بالمظاهر المتعددة والحسن هو الجمال الحقيقى وهو حضرة الاسماء الحسنى .

وقوله (فيلذ) الفاء للتعقيب ويلذ اى يصير لذيذاً .

وقوله(لى) اى لجميعى ظاهرى وباطنى .

وقوله (خضوعى) فاعل يلذ والخضوع قريب من الخشوع الا ان الخشوع اكثر ما يستعمل فى الصوت والبصر والخشوع فى الاعناق كذا فى المصباح .

وقوله (لديكم) اى فى حضرتكم ، وحضرتهم هى الاكوان كلها والخطاب للاحبة المذكورين .

وقوله (فى الهوى) اى فى المحبة الالهية وهى التى أوجبت الخضوع بين يدى المحبوب الحقيقى ولذة ذلك الخضوع لا تقاس بلذة .

وقوله (وتذللى) بالعطف على خضوعى والتذلل زيادة الضعف والهوان بين يدى اولى الوجوه الحسان .

وأشتاقُ للمغنى الَّذي أنتمْ بهِ * ولولاكُمُ ما شاقَني ذِكْرُ مَنْزِلِ

(واشتاق) اى يحركنى الشوق وهو نزاع النفس وحركة الهوى .

وقوله (للمغنى) اى المنزل والمقام كنى به عن نشأة الكونية لانها أثر من آثار الاسماء الالهية فهى منزل من منازل تجليات الربانية. وقوله (الذى) وصف للمغنى .

وقوله (انتم) بضم الميم للوزن والخطاب للأحبة المذكورين .

وقوله (به) خبر انتم والجملة صلة الموصول وجملة الموصول صفة المغنى على معنى الذى انتم ظاهرون به .

وقوله (ولولاكم) بضم الميم للوزن والخطاب للأحبة المذكورين .

وقوله (ما شاقنى) ما نافية وشاقنى هاجنى .

وقوله (ذكر منزلى) اى وطنى الاصلى وهو علم الحق تعالى به فى الازل .

فلِلّهِ، كَم من لَيلَة ٍ قد قَطَعتُها * بِلَذّة ِ عيشٍ، والرّقيبُ بِمَعزلِ

ونقلي مدامي والحبيبُ منادمي * وأقداحُ أفْراحِ المَحَبّة ِ تَنجَلي

ونلتُ مُرادي، فوقَ ما كنتُ راجياً * فواطَرَبا لو تَمّ هذا ودامَ لي

(فلله) الفاء للتفريع على ما قبله واللام للتعجب.

وقوله (كم) هى خبر معناها التكثير .

وقوله (من ليلة) من زائدة والاشارة بالليلة الى النشأة الكونية التى يظهر بها الوجود الحق تعالى ظهور البدر الروحانى  .

وقوله (قد قطعها) اى تحقق بها .

وقوله (بلذة العيش) اى حياة ربانية فى حضرة قيومية  .

وقوله (والرقيب) وهو خاطر الاغيار لسر الاسرار بدعوى النفس المتقلبة فى الاطوار  .

وقوله (بمعزل) اى مفارق لنا متباعد عنا .

وقوله (ونقلى) بضم النون وفتحها قال فى القاموس النقل ما يتنقل به على الشراب وقد يضم او ضمه خطأ .

وقوله (مدامى) المدام الخمر كناية عما يوجب الغيبة عن الكائنات من حيث انها اغيار للتجلى الحق الواحد القهار .

وقوله (والحبيب) هو المحبوب الحقيقى .

وقوله (منادمى) يعنى يناجينى فى سرى على شراب محبته واناجيه وانا طامع فى كرمه وراجيه

وقوله (واقداح) جمع قدح بالتحريك وهو آنية معروفة يكنى به عن النشأة الكونية الكاملة من العارفين المحققين الممتلئين من شراب العلوم الالهية والحقائق الربانية المسكرة للعقول الانسانية قال تعالى (وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا) الانسان الاية 21 .

وقوله (افراح) جمع فرح وهو لذة القلب بنيل ما يشتهى .

وقوله (المحبة) اى المحبة الالهية وافراحها لذائذ القلب المحبوب الحقيقى .

وقوله (تنجلى) اى تعرض على الشاربين مجلوة .

وقوله (ونلت مرادى) اى مقصورى ومأمولى من وصال المحبوب الحقيقى .

وقوله(فوق ماكنت راجياً) فانه كان يرجو القرب اليه تعالى والمشاهدة لجمال وجه الحق الذى ( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) القصص الاية 88 ، ثم ترقى به الحال حتى انكشف له حجاب النفس وانمحت نقطة الغين وقرت العين بالعين وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ .

وقوله (فواطرباً) الفاء للتفريع على ما قبله و (وا) حرب ندبة وتكون اسماً لا عجب وهى هنا للتعجب من كثرة طربه والطرب بالتحريك خفة تصيبه لشدة حزن او سرور والعامة تخصه بالسرور .

وقوله (لو تم) اى كمل .

وقوله (هذا) اى ما انا فيه الان من الاتحاد الحقيقى بعد الفناء الكلى فى وجوده الحق .

وقوله (ودام لى) اى استمر فى مشاهدتى ولم يذهب عنى . اهـ

لَحاني عَذولي، ليسَ يَعرِفُ ما الهوَى * وأينَ الشجيّ المُستَهامُ مِن الخَلي

(لحانى) اى لامنى .

وقوله (عذول) بالرفع فاعل لحانى والعذول اللائم بالمبالغة فى اللوم وتنكيره لتحقير شأنه حيث لام على ما هو من أشرف الخصال فى محبة الملك المتعال وهو جاهل بذلك لانه غير سالك فى هذه المسالك .

وقوله (ليس يعرف ما الهوى) ما استفهامية اى لا يعرف اى شيء الهوى والمحبة الالهية .

ثم قال (وأين الشجىء) بتشديد الياء وأين اسم استفهام مبتدأ والشجيء خبره .

وقوله (المستهام) هو الذى اسهمه الحب اى أذاب جسمه قال فى القاموس رجل مسهم الجسم ذاهبه فى الحب وقال فى الصحاح السهام بالفتح حر السموم وبالضم الضمر والتغير .

وقوله (الخلى) اى الخالى من هموم المحبة والعشق . اهـ

فدعني ومنْ أهوى فقدْ ماتَ حاسدي * وغابَ رقيبي عندَ قربِ مواصلي

(فدعنى) الفاء للتعقيب ودعنى فعل أمر بمعنى اتركنى .

وقوله (ومن أهوى) اى مع الذى احبه والخطاب للعذول فى البيت قبله وهو الجاهل المنكر على أهل طريق الله تعالى لعدم معرفته بعلوم الاذواق .

وقوله (فقد مات حاسدى) الفاء للتعقيب ومات هلك من غيظه والحاسد الشيطان الذى يعرف قدر علوم الذوق ويعلم الجزاء العظيم على المحبة الالهية والشوق فالمنكر جاهل بقدر العرفان والذى يعرف قدر ذلك فيحسد عليه هو الشيطان ، والمؤمن العارف واقع بينهما وهو عندهما فى ذلة وهوان وبالله المستعان .

وقوله (وغاب رقيبى) اى ذهب عنى خاطر الاغيار واتضح عندى سر الاسرار

وقوله (عند قرب مواصلى) اى اقترابه منى على معنى انكشاف أمره الحق لدى على ما هو عليه حين فنانى فى وجوده وتمتعى به فى شهوده اهـ . 

---------------------

شرح ديوان ابن الفارض من شرحَى : 
الشيخ بدر الدين الحسن بن محمد البورينى ( ت 1024 هــ )
والشيخ عبد الغنى بن اسماعيل النابلسي ( ت 1143 هـــــ )