بسم الله الرحمن الرحيم
من أقطاب الطريقة الخلوتية
العارف بالله تعالى سيدي الشيخ محمد الرملي رضي الله تعالى عنه
ولد العارف بالله تعالى السيد محمد احمد الرملي رضي الله تعالى عنه بالقاهرة سنة 1890م.
واصل أسرته من (رملة العطاره) قرية معروفة من قرى بنها وكان أبوه رحمه الله رجلاً صالحاً. وجده كان من خيار الصالحين في هذه الأمة.
وله جدٌ أعلى مدفون ببلدهم، له ذكرى طيبة، وسيرة ذاتية ومآثر معروفة.
أما شيخنا الرملي عليه سحائب الرحمة والرضوان فقد كان علما ً من أعلام الطريقة الخلوتية وواحداً من الكرام الأفذاذ، كان بحق قدوة للسالكين وحجة من حجج الله تعالى كان يربى المريدين ويدعوهم إلى الله تعالى على بصيرة كما شهد ذلك أستاذه الدومى وصدقه الواقع الملموس، قال عنه أستاذه: إن الرملي عند أهل الله تعالى كالبخاري عند أهل الحديث.
نشأ من صغره مهذباً فاضلاً، سليم الفكرة، وافر العقل، نزيه النفس، طيب القلب، متعلقاً بالله تعالى مولعاً بحبه وذكره، إذا نام نام مشغولاً به وإذا استيقظ استيقظ مشغولاً به، محباً للصالحين، معتقداً فيهم معظما ً لأهل العلم متقربا إليهم خاشعا ً قانتا ً صدوق اللسان عفيفه، حلو الحديث جميل المعاشرة لا يشبع الإنسان من مجالسته ولا من حديثه عظيم الحياء واسع الصدر لا يضيق ولا يضجر ولا يتسرع ولا يتعجل زاهدا ً في الدنيا الزهد الحقيقي الخالي عن التصنع والتكلف لا يأسى منها على مفقود ولا يكثر الفرح بموجود ولا يطمع في غير ما قسم له
قد سد على نفسه باب ملاحظة الخلق لا يحفل بثنائهم ولا يتبرم بذمهم ونقدهم يبالغ في إخفاء عباداته وأحواله ويتضايق من كثرة إقبال الناس عليه حتى انه إذا جلس في مكان ورآهم قد كثروا حوله تركهم وقام.
يحكى عنه شيخنا محمد احمد الطاهر رضي الله تعالى عنه انه قال له مرة بصدد الحديث عن كثرة الإخوان وقلتهم: والله لو انفضوا جميعاً من حولي ما تحركت منى شعرة واحدة!.
قد وكل أموره كلها لله تعالى رضيا ً عنه واثقا ً به في كل حال .. وكان محبا ً للصدقة عطوفا ً يجود بما قل وكثر لا يمر عليه يوم إلا ويحسن فيه إلى محتاج.
جعل رأس ماله لا مسامحة إخوانه فحسب بل مسامحة الناس عامة حتى من يسيئون إليه ويظاهرون بجفوته! ولا يكاد يمضى أسبوع أو نحوه حتى يسامح الإخوان ويطلب منهم مسامحته وكان يقول إن الإخوان لا يتحقق لهم مطلوب ولا يرفع لهم دعاء إلا إذا تصافت قلوبهم وسامح بعضهم بعضا ً. كان لا يحقر فقيرا ولا يجحد لفاضل فضله.
تلقى الطريق عن شيخنا العارف بالله تعالى الشيخ عبد الجواد الدومى رضي الله تعالى عنه
سنة 1911م. وتربى في حجره وتم عليه سيره وخدمه ولازمه ملازمة صدق وحب مدة حياته وجعله حجة بينه وبين الله تعالى، يعمل بنصائحه ويقف عند أوامره لا ينازعه ولا يماريه،
ولكن يسأله عما يحتاج إليه بأدب ويتلقى جوابه بقبول ويحمل ما يراه منه على أحسن محامله بل كان يلتمس المعاذير لكل إنسان ما أمكنه ولطهارة قلبه وصفاء لبه فتح الله له أقفال الطريق ومنّ عليه بنور البصيرة وصدق الفراسة في أمد قريب ومع ذلك فحين أذن له أستاذه بالإرشاد
ودعوة الخلق إلى طريق السداد استعفاه مرارا ً معتذرا ً له بقصور همته وقلة علمه ولم يقبل هذا المنصب حتى قال له الأستاذ: إن توقفك هذا يغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويعتبر عقوقا ً لأهل الطريق.
وكم هدى الله تعالى به من الحيرة وأيقظ من الغفلة ونفع به خلقا ً كثيرا وقد أجرى الله تعالى النفع على يديه في الدنيا كما أجرى النفع على يديه في الدين.
التحق بمصلحة السكك الحديدية ومكث فيها أكثر من أربعين عاما ً تولى أثناءها أعمالا ً هامة
ورأس عمالا ً كثيرين فما ظلم أحدا ً ولا تسبب في مظلمة ولا تدنست يده الطاهرة بشيء قط بل كان على الدوام سببا ً في إيصال الخير ووصل العيش لطالبيه. هذا مع العفة والنزاهة النادرة والخلق الحسن الجميل. وحسبك انه عاش صغيرا ً في مصر (القاهرة) بلد العجائب والمغريات وعاشر في عمله الرسمي بعض الأوساط التي لا تعرف الطريق ولا تهتم بشعائر الدين والاعتقاد في الصالحين فلم يزل بعناية الله محفوظاً من كل ما يشوش عقله أو يكدر صفاء قلبه. كان في بداية أمره يتعبد على مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه ولكنه بعد ما صحب شيخه العارف الدومى رضي الله عنه وهو مالكي المذهب انتقل إلى مذهبه وحضر عليه كثيرا ً من دروس الفقه والتوحيد والحديث والتفسير والتصوف حتى كان - مع عدم شهرته في العلم - بصيرا ً بدينه فقيها ً في نفسه صافيا ً في معرفته بل كان عالي القدر في علمي التوحيد والتصوف وفقه السنة النبوية، يتكلم عن ذوق ويعبر عن وجدان ...
وقد وصفه شيخنا محمد الطاهر رضي الله عنه في بعض قصائده مشيداً بما وهبه الله تعالى من كريم السجايا وعظيم العطايا ومشيراً إلى ما وصل إليه من مقامات تدق عن الأفهام ولا تستطيع بيان كنه حقيقتها الأقلام فقال:
يا سيدا كملت أخلاقه وزكت *** مقامك الفذ فوق الشعر والخطب
هبنى وصفت معانيك التي ظهرت *** فكيف وصفى لسر فيك محتجب
سر المقام الذي اوتيته هبة *** وقد تسامى عن التسطير والكتب
فإن من ضمنه ما لو أفوه به *** رميت بالزور والبهتان والكذب
أخفيت حالك حتى ضله نفر *** وأصبحوا فيك في شك وفى ريب
لم يبصروا من محياك البهي سنا *** وهل ترى مقلة العمى سنا الشهب؟!
ظنوا الحقيقة والعرفان سفسطة *** يجيدوها كل معتاد على الصخب
وما دروا أنها فيض منحت به *** وإن تكن أنت ما قصرت في طلب.
----
وقد وافته منيته وطواه القدر المحتوم بعد منتصف ليلة الخميس الموافق
14 رجب سنة 1373هـ. ورجعت نفسه المطمئنة إلى ربها راضية مرضية مغتبطة بلقائه مشتاقة لجواره بعد حياة كريمة قضاها في البر والتقوى كانت لحمتها وسداها محبة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم. ودفن رضي الله عنه في ضريحه المنوّر بجوار شيخه ومربيه العارف بالله تعالى الشيخ الدومى عليهما من الله سحائب الرحمة والرضوان.