نسخ وإعداد الشيخ محمد عبد الناصر .... من تلامذة الشيخ فراج يعقوب
الهبات الانورية
بسم الله، وبمدد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبتوجيه ورعاية من سيدي الأستاذ الشيخ فراج يعقوب رضي الله عنه ...
نبدأ في نشر شرح سيدي مصطفى بن كمال الدين البكري الصديقي الخلوتي
على
الصلاة الأكبرية لسيدي الشيخ الأكبر محي الدين بن العربي الحاتمي الطائي
المسمى [الهبات الأنورية على الصلاة الأكبرية].
وهو مخطوط لم يسبق نشره وتحقيقه.
ونخصص له إن شاء الله هذا الوسم #الهبات_الأنورية ليسهل الوصول إلى أجزاءه.
والله يجعلنا ممن يتضلع من هذا المعين ... آمين
#الهبات_الأنورية (1)
الهبات الأنورية على الصلاة الأكبرية
غفرالله لمؤلفها وشارحها بجاه محمد خير البرية، ولتاليها والناظر فيها بكرة وعشية، آمين آمين آمين
سيدي سيدي عَبِيد ضعاف *** وعلى فضلك العظيم اعتمدنا
سيدي سيدي أتينا أموراً *** فادحات بها لديك اعترفنا
سيدي سيدي بأعظم كسر *** عند باب الرجاءِ فيك وقفنا
سيدي سيدي إليك التجأنا *** سيدي سيدي أغثنا أغثنا
سيدي سيدي تجاوز وسامح *** وتحنن بنجح ما قد سألنا
حاشا لله أن نخيب وأنت *** الواسع الفضل والتجاوز عنا
باسمك الأعظم المحيط دعوناك *** وها نحن سيدي قد أجبنا
#الهبات_الأنورية (2)
- مقدمة، وترجمة يسيرة للشيخ الأكبر -
بسم الله الرحمن الرحيم وبه ثقتي
الحمد لله الواهب من أحب علومه الوهبية السِرية، الذاهب بمن قرب المذاهب المدنية من السِرية السَرية، والصلاة والسلام على سيد الأنام محمد خير البرية، وعلى آله وأصحابه أولي الاحسانات الدُّريّة، وعلى التابعين لهم وتابعيهم المقتفين لآثار أنوارهم الدُّريّة، والمفيضين سحائب أنوار معارفهم الدَّرِيَّة، ما تحرر عبد الشهوات والسهوات من رق الغيرية ... وبعد فيقول فقير العفو كثير الغفو مصطفى بن كمال الدين بن علي الصديقي حباه مولاه العيشة الهنية المرية: لما وقفت على الصلوات الأكبرية ذات الألفاظ السُكرِية السُّكَّرية، العتيقة البَكرية، العتيقة البِكرية ... عصرية يوم الأثنين رابع جمادي الثانية وأنا نزيل دار السلام في التكية القادرية الأعطرية، عام ألف ومائة وتسعة وثلاثين من السنين الهجرية؛ ناجيت بألسن الطلب السرية والجهرية مستخيرا في وضع شرح عليها يَنشُقُ الواقف عليه روائح عبهرية، وسميته الهبات الانورية على الصلاة الأكبرية، والله أسأل أن ينفع به كل نسمة مؤمنة في الجمعية الذَّرِيّة، ويرفع به برقع الغفلة عن الأحباب والأصحاب والذُّرية.
ولنقدم قبل الشروع ترجمة يسيرة إلى تعريف المؤلف مشيرة، فنقول:
اعلم أيها الأخ في رضاعة ثدي الإسلام، وفقني الله وإياك للقبول والاستسلام. أن واضع هذه الصلوات النبوية الدالة على علو المنزلة القطبية، هو الإمام الهمام المقدام الضرغام خاتم الولاية المحمدية، المحقق المدقق، والحبر البحر الرائق الفائق المتدفق، والعارف الغارف الموَفَق الموفِق، بين كلام الأئمة الذين كل منهم للحجب ممزِقق، الكبريت الأحمر، والمِنْطيق الأبهر، والحَقيق بكل مقام أَفخر، الشيخ الأكبر، أبو عبد الله محيي الدين، بهجة الأولياء الراسخين، محمد بن علي بن محمد بن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي قدس الله سره وروح روحه، ووالى عليه فتحه وفتوحه، العلم الفرد الغني عن التعريف وذكر المناقب، فإن من مارس كتبه علم أنه آية باهرة ونجم علم ثاقب، بل قمر منير زاهر، بل بدر مستنير ظاهر، بل شمس وعلى التحقيق شموس بواهر، فماذا يقول المادح، أو يتفوه به المثنى الصادح، وقد عبق الأكوان طيب فتوحاته، وعطر أرجاء الملوين عبير مؤلفاته، وأثنى عليه الجهابذة الأعلام، أولو التحديث والأخبار والأعلام، ولد رضي الله عنه ليلة الاثنين سابع عشرين من رمضان سنة ستين وخمسمائة بمرسية من بلاد الأندلس،
وانتقل إلى إِشبيلية في سنة ثمان وستين وأقام بها إِلى سنة ثمان وتسعين، ثم دخل إِلى بلاد المشرق، وطرق بلاد الشام، ودخل بلاد الروم، وكان من عجائب الزمان، وكان يقول: "أَعرف اسم الله الأعظم، وأَعرف الكيمياء بطريق المنازلة لا طريق الكسب"
وكانت وفاته رضي الله عنه بدمشق في دار القاضي محيي الدين بن الزكي، وغسله الجمال ابن عبد الخالق، ومحيي الدين يحيى قاضي القضاة، ومحيي الدين محمد بن علي، وكان العماد ابن النحاس يصب الماء. وحمل إِلى قاسيون ودفن بتربة بني الزكي، وذلك ليلة الجمعة الثاني والعشرين من ربيع الثاني سنة ثمان وثلاثين وستمائة، فيكون عمره ثمانياً وسبعين سنة، قدس الله سره وأَنالنا من علومه سهماً. وقد اصطفاه الله تعالى وهو يكتب في تفسيره الكبير فوقف قلمه عند قوله تعالى: {وعلمناه من لدنا علما}.
نافت مؤلفاته على الأربعمائة، بل قيل بلغت أَلفاً. وكانت الروحانيون تخطف بعضها غيرة أَن يظهر لهذا العالم منها حرفاً.
#الهبات_الأنورية (3)
شرح لنص الصلاة من أولها إلى "مخلوق.
" .... اللهمَّ صَلِّ وسلم على سيدِنا محمدٍ أكملِ مخلوقاتك، وسيّدِ أهلِ أرضِك وأهلِ سماواتك، النورِ الأعظم، والكنزِ المطلسم، والجوهرِ الفردِ، والسرِّ الممتد، الذي ليس له مِثْلٌ منطوق، ولا شِبْهٌ مخلوق .... "
وأول صلواته النبوية قدس الله روحه الزكية:
(اللهم) أصلها يا الله، حذفت ياء النداء وعوّض عنه الميم المشددة، ولا يجوز أن يجمع بين الياء واللهم إلا في الضرورة الشعرية كما في قوله:
إني إذا ما حَدث ألمّ:: أقول يا اللهم يا اللهم
وعن بعضهم أنها اسم الله الأعظم، ولهذا قلّ أن يخلوا منها دعاء وارد
(صلِّ) أي اثنِ أو شرِف أو كرِم، والصلاة من الله الرحمة المقرونة بالتعظيم، ومن الملائكة الاستغفار، ومن الآدميين الدعاء
(وسلم) من السلامة؛ وهي الأمان من النقائص
(على سيدنا) أي أرفعنا وأجلنا معاشر المخلوقين
(محمد) هو أشهر اسمائه -صلى الله عليه وسلم- وألذها سماعا، وأكثرها للصلاة والتسليم عليه استدعاءً، ومعناه المحمود مرة بعد أخرى، دنيا وبرزخا، حشرا وأخرى
وقيل لجده عبد المطلب: لما سميته محمدا وليس من اسماء آباءك ولا أجدادك؟
فقال: رجاء أن يُحمد في السماء والأرض
وقد حقق الله رجاءه، وروى ثوبان مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن آمنة لمّا حملت بالنبي - صلى الله عليه وسلم- أتِيَت فقيل لها: حملت بسيد هذه الأمة، فإذا وقع على الأرض فقولي: أعيذه بالواحد من شر كل حاسد، ثم سميه محمدا ... انتهى
وهو صلى الله عليه وسلم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نِزار بن معد بن عدنان، هذه النسب المعتمد عليه، وما فوقه فمختلف في اسمائهم وذكر ابن العربي الفقيه المالكي رضي الله عنه في شرحه لكتاب الترمذي: أن لله تعالى ألفَ اسم، وللنبي -صلى الله عليه وسلم- ألف اسم أيضا
(أكمل مخلوقاتك) أي أتمها خُلقا وخَلقا، تلقيا وإلقاء
(وسيد أهل أرضك) من إنس وجان
(وأهل سماواتك) من ملائكة وحور وولدان
(النور الأعظم) إذ هو أصل الأنوار ومادة الأسرار
(الكنز) أي الحرز الحصين
(المطلسم) أي الذي لا يتوصل إليه ..
وهو إما مقلوبُ [مسلط]، وإما مقلوب [طلمس]:
- فالأول قلب كل ..
- والثاني قلب بعض ..
وعلى الأول [مسلط]: فيراد به ما يُسلط على قاصد الكنز من الأقسام والخدام لتمنع من يريد أخذ شئ منه؛ وهنا فالمراد به ?عليه الحفظ والصيانة? ..
- وعلى الثاني فهو [المطلمس]: أي الذي لا يُهتدي إليه ...
قال في القاموس:
والطلمسانة: الأرض ليس بها منار ولا علم، والظلمة، وليلة طلسمانة: مظلمة، وأرض طلسمانة: لا ماء بها، وطلمس: قطب وجهه ... انتهى
(والجوهر الفريد) هو الشئ النفيس الذي لا قيمة له ولا مثيل
(والسر الممتد) ظهوره في كل جليل جميل
(الذي من ليس له) صلى الله عليه وسلم
(مثل) أي مماثل
(منطوق) به
(ولا شبه) أي مشابه
(مخلوق) في الأزل والأبد فانتبه.
#الهبات_الأنورية (4)
شرح الصلاة من بداية (وارض) إلى (أمان):
" ... وارضَ عن خليفتهِ في هذا الزمانِ، مِن جنسِ عالم الإنسان، الروحِ المتجسّدِ، والفردِ المتعدد، حُجةِ الله في الأقضيةِ وعُمدةِ الله في الأمضية، محلِّ نظرِ اللهِ مِنْ خلقهِ، مُنَفّذِ أحكامهِ بينهم بصدقه، المُمِدِّ للعوالم بروحانيتهِ، المُفيضِ عليهم من نورِ نُورانيته، مَن خَلَقَهُ الله على صورتهِ، وأشهدَه أرواحَ ملائكتهِ، وخصَّصهُ في هذا الزمانِ ليكونَ للعالمين أمان ... "
(وارض) اللهم بالرضا التام الأكبر الأشمل
(عن خليفته) أي نائبه ووارثه الأكمل
(في هذا الزمان) والإشارة للوقت الذي ألف فيه الصلاة ذات المدد الهتان، الكائن ذلك الخليقة
(من جنس) بالكسر، أعم من النوع، وجمعه: أجناس وجنوس
(عالم) وأحد العوالم
(الإنسان) أي من جنس عالم البشر، ويستوي فيه المذكر والمؤنث، وبالهاء لغة عامية ... قال في المختار: قال ابن عباس: إنما سمي إنسانا لأنه عهد إليه ونسي ... انتهى
أي ليس ملكا ولا جنا، بل نائبه لا يكون إلا بشرا سويا من حيث ظاهريته
(الروح) من حيث باطنيته
(المتجسد) من حيث جسمانيته
(والفرد) في مقام إشهاده
(المتعدد) في ملابس إمداده
(حجة الله في الأقضية) أي برهان الله في الأحكام، فإن القضاء الحكم، والجمع الأقضية
(وعمدة الله في الأمضية) أي وهو الشخص الذي جعله الله عمدةً يُعتمد عليه في الأحكام المنفذة
(محل نظر الله من خلقه) قال الشيخ في فتوحاته: أن الله لا ينظر إلى العالَم إلا ببصر عبده الكامل، فلا يذهب العالَم للمناسبة، فلو نظر إلى العالم ببصره لاحترق العالَم، فينظر الحق ببصر عبده الكامل المخلوق على الصورة، وهو عين الحجاب بين العالَم وبين السبحات ... انتهى
(منفذ) بالتشديد والتخفيف؛ أي ممضي
(أحكامه) جمع حكم والضمير راجع إلى الله
(بينهم) أي بين عباده
(بصدقه) مع الله في معاملاته وتوجهاته، وقال تعالى: {إن الله مع الصادقين}، ومن كان الله معه بالتأييد والعناية أمكنه تنفيذ الأحكام والإرشاد والهداية
(الممد للعوالم) بكسر اللام كما في المختار، جمع عالم
(بروحانيته) للقوى المودعة من الحق فيها وما خصها به من الطاقة والسراية
(المفيض عليهم) أي على الخلق
(من نور نورانيته) المستمدة من النور الأول، والمفاض عليها به من اسمه النور الأكمل
(مَن) أي الذي (خلقه الله) تعالى (على صورته) وفي الحديث الشريف: "إذا ذبحت فأحسن الذبحة، وإذا قتلت فأحسن القتلة، واجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورت"، وفي رواية:"على صورة الرحمن"
قال الشيخ في الباب 73 من فتوحاته في فصل الأجوبة الترمذية، في السؤال الخامس والأربعين: "بأي شيء نال آدم التقدمة على الملائكة؟
فأجاب رضي الله عنه، وقال في آخره: فنال التقدمة بها؛ أي بعلم الأسماء، وبالصورة التي خلقه الله عليها
قال عليه الصلاة والسلام: "إن الله خلق آدم على صورته" ... بالنشأة من أجل اليدين، وجعله بالخلافة على صورته، وهي المنزلة، فأعطته الصورتان التقدم حيث لم يكن ذلك لغيره من المخلوقات، وليس فوق هذه المنزلة منزلة لمخلوق، فلا بد أن يكون له التقدمة على من سواه، وكذلك الأمر الذي أعطاه هذا يتقدم على الأمور كلها" ... انتهى"
وحيث كان آدم مخلوقا على الصورة فبنوه الوارثون له وراثة تامة من حيث الظاهر والباطن كذكلك، ومعنى الحديث أن الصفات القديمة القائمة بالذات العلية لها صور قائمة بالعبد لكنها حادثة، فضاهى العبد صفات ربه القديمة بصفاته الحادثة العديمة، وهذا لا خصوصية فيه وإنما الخصوصية فيمن يمن الله عليه بقربى الفرائض والنوافل حتى يفنيه عن صفة وجوده الحادثة، ويبقيه بتجلي صفة وجوده القديمة عليه، وهكذا باقي الصفات، فيسمع به ويبصر به ويريد به وينطق ويبطش ويعلم ويتحرك ويسكن، ولهذا التجلي علامة وُجدانية وهي تجري في سائر الصفات، فمتى تجلى الحق سبحانه تعالى على عبد من عبيده بصفة السمع؛ صار يسمع نطق جميع الأشياء من جماد ونبات وحيوان وكلام الملائكة، وهكذا الحكم في غيرها.
والخليفة المخلوق على الصورة، الممنون عليه بتلاوة هذه السورة، المتعلق المتحقق المتخلق بالاسماء والصفات، الممنوح بمحض الفضل فتوح الفتوح لدى تجلي الذات ... هو المتجلي عليه بكل اسم وصفة لصعوده جبل عرفة المكني عنه بالمعرفة، وإذا كان تجلي صفة من الصفات غالب ... ظهر عليه أثره في القلب والقالب في الغالب، كظهور صفة العلم على المؤلف الرباني، وصفة القدرة على السيد الجيلاني، وقد يكون الظهور لا عن غلبة بل عن أمر وإذن اقتضاه الوقت وطلبته، كهاتين الصفتين الظاهرتين على هذين السيدين، فعلى هذا ... لا سمع لنا إلا إن أسمعنا، ولا بصر ولا علم ولا وصف ولا حال ولا مقام، وإذا أطلعنا وأشهدنا فبحسبنا لا بحسبه؛ إذ الاطلاع على ما في نفس الحق غير واقع لأكمل الخلق كما صرح بذلك في أحاديث كثيرة، ونطقت الآيات القرآنية بهذه المعرفة الخطيرة كقوله تعالى: {قل ما أدري}، {ولو كنت أعلم}، "لا أحصي ثناء عليك"، "نور أنى أراه"
قال سيدي محمد القونوي -قدس الله سره- في شرح سورة الفاتحة: فالحاصل عندنا من المعرفة المستفادة من إخباره سبحانه لنا عن نفسه هو بتقليد منا له، وكذا ما نشهده وندركه بقوة من قوانا الظاهرة أو الباطنة أو بالمجموع ... إنما نحن مقلدون في ذلك لقوانا ومشاعرنا، وقصارى الأمر أن يكون الحق سمعنا وبصرنا وعقلنا، فإن ذلك أيضا لا يقضي بحصول المقصود، لأن كينونيته معنا وقيامه بنا بدلا عن أوصافنا إنما ذلك بحسبنا لا بحسبه كما بينا، ولو لم يكن الأمر كذلك لزم أن يكون كينونة الحق سمعَ عبده وبصره وعقله باطنا وظاهرا على نحو ما هو الحق عليه في نفسه، فيرى العبد إذا كل مبصَر، ويسمع كل مسموع سمعه الحق وأبصره، ولزم أيضا أن يعقل كل ما عقله الحق، وعلى نحو ما عقله، ومن جملة ذلك بل الأجل من ذلك عقله سبحانه ذاته على ما هي عليه، ورؤيته لها كذلك، وسماعه كلامها وكلام سواها أيضا كذلك، وهذا غير واقع لمن صح له ما ذكرنا، ولمن تحقق بأعلى المراتب وأشرف الدرجات، فما الظن بمن دونه، فإذا لكل من الحيرة في الله وفيما شاء نصيب ... إلخ
وإنما أطلنا هذا الكلام لما يقع في الأوهام من الإبهام سيما على أولي الأفهام لا الإفهام والسلام
(وأشهده) معطوف على من خلقه، أي جعله مشاهدا
(أرواح) مفعول أشهد
(ملائكته) جمع ملك، قال في المختار: والملك من الملائكة، واحد وجمع، ويقال ملائكة وملائك ... انتهى
ليمدهم من مقام إرثه وخلافته، ويمد من عداهم بالطريق الأولى بحكم نيابته
(وخصصه في هذا الزمان) بالإمدادات والخوارق الداخلة تحت دائرة الإمكان
(لـ) لأجل أن
(يكون للعالمين) هم أصناف الخلق
(أمان) بالوقف على لغة ربيعة مراعة للسجع، أي ليكون أمانا لهم من حلول البلايا، وحصول مهول الرزايا، لتلقيه ما يرد عليهم، وتحمله ما يساق إليهم، وتجرعه كاسات المحن التي لا تتقى بالمجن ...
#الهبات_الأنورية (5)
شرح الصلاة الأكبرية من (فهو قطب دائرة الوجود) إلى (الصدق)
" ... فهو قطبُ دائرةِ الوجودِ ومحلُّ السمعِ والشهود، فلا تتحركُ ذرةٌ في الكونِ إلا بعلمهِ ولا تسكنُ إلا بِحُكمِه، لأنه مَظهرُ الحقِ ومَعدِنُ الصدق ... "
(فهو) رضي الله تعالى عنه
(قطب دائرة الوجود) وقطب الدائرة هو المركز الذي تدور عليه، والقطب كما في اصطلاحات القاشاني: هو الواحد الذي هو موضع نظر الله تعالى من العالم في كل زمان، وهو على قلب إسرافيل عليه الصلاة والسلام.
القطبية الكبرى هي مرتبة قطب الأقطاب، وهو باطن نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم- فلا يكون إلا لورثته، لاختصاصه -صلى الله عليه وسلم- بالأكملية، فلا يكون خاتم الولاية وقطب الأقطاب إلا على باطن خاتم النبوة ... انتهى
(ومحل) أي موطن
(السمع) أي الاستماع؛ وهو التلقي من الحق، ولا مظهر له أكمل منه في وقته فهو -رضي الله عنه- محل السمع ولا غيره لتجلي الحق تعالى بصفة السمع
(و) محل
(الشهود) لأنه صاحب الخلوة بالله، قال سيدي عبد الوهاب الشعراني في طبقاته عن ترجمة شيخه الخواص رضي الله تعالى عنهما: وكان يقول الخلوة بالله وحده لا تكون إلا للقطب الغوث في كل زمان فإذا فارق هيكله المنور بالانتقال إلى دار الآخرة انفرد الحق تعالى بشخص آخر مكانه، لا ينفرد قط في زمان واحد بشخصين.
قال: وهذه الخلوة وردت في الكتاب والسنة، ولا يشعر بها إلا أهل الله خاصة.
وقال الشعراني قدس الله سره: قلتُ: ورأيت هذا بعينه في كلام الشيخ محي الدين أيضا قال: وأما خلوة غير القطب فلا تكون بالله، وإنما هي لمزيد الاستعداد والبعد عما يشغله عن الطاعات من المخلوقين ... انتهى
وإليها يشير قول الصادر الوارد على أعذب الموارد: جل جناب الحق أن يكون موردا لكل وارد، ومصدرا لكل شارد، وإنما هو لواحد بعد واحد؛ أي فالانفراد بالواحد الواجد لا يكون في كل زمان إلا لواحد واجد ومن عداه فتبّاع له وخدم؛ لتقدمه عليهم من القدم، فَقَدمُه لما كان على قدم السيد السند المقدم لزم عنق كل ولي لله من أهل عصره لا ممن يأتي بعده أو تقدم، فافهم، والله أعلم، وحيث كان مظهر السمع والشهود الأتم فلا أكمل منه فيهما ولا اخص ولا أعم، فهو كالروح الساري في العالم
(فلا تتحرك ذرة) بحركة قسرية أو اختيارية
(في) سائر
(الكون) في علو وسفل
(إلا بعلمه) لتجلي الحق سبحانه وتعالى عليه بصفة العلم، ولأنه الخليفة على الخليقة، فلو قدر أنه جهل شيئا من الكون لانقطع عنه المدد فهلك، إذ هو الواسطة في إيصال المدد لكل مستمد من الأحد بطريق النيابة عنه، وإعطاء كل ذي حق حقه الواصل إليه منه
(ولا تسكن تلك) تلك الذرة
(إلا بحكمه) لأنه المحكم من قبل الحق لا من نفسه، لتطهره من وهمه وحدسه بوابل قدسه
(لأنه) تعليل
(مظهر الحق) أي مجلاه الذي تولاه وولاه بنعمه أولاه
(ومعدن) كمجلس منبت الجواهر من ذهب ونحوه، لإقامة أهله فيها دائما، ولإثبات الله تعالى إياه فيه، ومكان كل شيء فيه أصله كذا في القاموس
(الصدق) أي مركز نقطته ومحل ظهور سلطنته، فهو أصدق متوجه توّجه الحق بتيجان الإجابة، وأحق متحقق في مرتبة الصدق المستطابة، قال تعال: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ} هو محمد -صلى الله عليه وسلم-، {وَصَدَّقَ بِهِ} هو أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- ولكثرة تصديقه كني بأبي بكر الصديق، ولعتاقة وجه -أي حسنه- لقب بالعتيق ... فالقطب -رضي الله عنه- مركز الصدق الذي جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- واقتباسه من مشكاته في صدقه حالا وفعلا وقالا قدما بقدم.
#الهبات_الأنورية (6)
تكملة شرح الصلاة الأكبرية من (اللهم) إلى (والقليل)
" ..... اللهم بلغ سلامي إليه، وأوقفني بين يديه، وأفض علي من مدده، واحرسني بعدده، وانفخ فيا من روحه، كي أحيا بروحه، ولأشهد حقيقتي على التفصيل، فأعرف بذلك الكثير والقليل ... "
(اللهم) يا الله
(بلغ) أي أوصل
(سلامي) أي تسليمي وتحياتي
(إليه) إلى سمعه المصون
(وأوقفني بين يديه) لأشهد جماله المكنون
(وأفض عليَّ) أي على ذراتي لتزداد لذاتي
(من مدده) الخاص لأعد من الخواص
(واحرسني) أي أحفظني
(بعُدده) بضم العين، جمع عدة وهي ما يعد للحوادث الدهرية من مال وسلاح، ويصح الفتح، قال في القاموس: والعدد منها سنون عمرك
وعليه فالمعنى احرسني بسَنيِّ سِنِي عمره وقُضْبِه وبيضِه وسُمرِه
(وانفخ فيَّ) أي في وجودي
(من روحه) المقدسة المقدِسة لشهودي
(كي أحيا بروحه) وريحانه الندي العنبري العودي، وأطيب لما أطيب لديه من طيب إقبالي عليه وورودي
(ولأشهد) أي أعيان
(حقيقتي) التي هي عبارة عن مجموع هويتي وآنيتي
(على) سبيل
(التفصيل) المزيح بجماله برقع الاجمال المخبل المخيل المبجل المُبجِل
(فأعرف بـ) بسبب
(ذلك) التفصيل المورث للتفضيل
(الكثير) من صور رقائقي ودقائقي
(والقليل) منها من كل عالم كبير وصغير وقطمير وفتيل، فإن من شهد حقيقته كمل بشهوده لها طريقته، فإن آخر العوالم ظهورا عالم الحقائق المعمر قلب مشاهده نورا، ومتى بدت الحقيقة من خلال الستور، واستأنست من بعد النفور، وتبسمت في وجه صاحبها المهجور، التائه في سواد ليل الشعور، وبياض نهار الثغور ... عرف حقائق الأمور، وكرف عرف شقائق الزهور في كل العصور، إذ الحقيقة واحدة عند أهل الحضور، لا تعدد فيها لدى أهل المعالي والقصور لا القصور، ولا يشهد حقيقة الوحدة إلا المكاشف بالظهور، فيعاين بحور النور تمتزج بفرائد النحور، ويشاهد ما يقصم الظهور، ويوجب الحبور.