(9) محمد البكري رضى الله تعالى عنه
هو محمد بن عبد الله الشهير بعمويه، البكري، السهروردي، البغدادي، واسمه عبد الله بن سعد بن الحسين بن القاسم بن النضر بن القاسم بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضى الله عنه، والبكري نسبة إلى أبي بكر الصديق رضى الله عنه، وهو أبو بكر بن أبي قحافة من بني تيم من مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، يتصل نسبه بالنسب النبوي الشريف، ولد رضى الله عنه بعد عام الفيل بسنتين، فهو يقارب النبي صلى الله عليه وسلم فى السن، ومواقفه معروفة ومشهورة فى كتب السيرة وغيرها وذريته رضى الله تعالى عنه كثيرة ومنتشرة فى جميع أقطار الأرض، وهم سادات العرب كرما وشجاعة وحلما وعلما كما هو مشهور، ولم يزل الصديق يلاحظهم ويمدهم فى حياته وبعد مماته، ويغضب لغضبهم ويرضى لرضاهم، وورد أنهم لا يفتن منهم أحد عند الموت، وهل تجد من لدن آدم إلى قيام الساعة بيتا غير بيت الصديق أنزل فيه: (قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ المُسْلِمِينَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ).
والسهروردي نسبة إلى سهرورد والبغدادي نسبة إلى بغداد عاصمة العراق.
كان رضى الله عنه إماما عالما فقيها على جانب عظيم من التقوى والخلق والزهد والورع. فريد عصره، ووحيد دهره، درس علوم الشرع والتصوف والتفسير والحديث وتفقه على كثير من علماء عصره، ورزق من القبول والحظ التام عند الخاص والعام، واشتهرت مجالسه بتفسير القرآن والحديث، أخذ الطريق عن محمد الدينوري رضى الله عنه فهو من أبناء القرن الثالث الهجري ودخل فى الرابع.
ومن كلامه رضى الله عنه: حلاوة الدنيا الطاعة، ولذتها المعرفة والمشاهدة، ومن ذاق عرف ومن لم يذق فقد انحرف.
لقد كان رضى الله عنه أية من آيات الجمال والكمال، والهيبة والاحترام والوقار، تظهر عليه علامات القرب وأمارات الورع والزهد وله مواقف كثيرة تشهد بعلمه، ومكاشفات عجيبة تدل على قربه من ربه، محبا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
ومما ينسب إليه صلاة الفتح وهي: (اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق، والخاتم لما سبق، والناصر الحق بالحق، والهادي إلى صراطك المستقيم، صلى الله عليه وعلى آل وأصحابه حق قدره ومقداره العظيم).
(روى أن من تلاها ألف مرة فى ليلة الخميس أو ليلة الجمعة أو الاثنين اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم وتكون التلاوة بعد صلاة أربع ركعات يقرأ فى الأولى سورة القدر ثلاثاً وفى الثانية الزلزلة كذلك وفى الثالثة الكافرون كذلك وفى الرابعة المعوذتين كذلك ويبخر عند التلاوة بعود وإن شئت فجرب).
(10) القاضي وجيه الدين رضى الله تعالى عنه
هو أبو حفص عمر بن محمد بن عبد الله الشهير بعمويه البكري السهروردي البغدادي، وهو الملقب القاضي وجيه الدين، تلقى عن والده محمد البكري رضى الله عنه، وهو من أبناء القرن الرابع الهجري، وكان مثلا أعلى فى النزاهة والحكمة والورع والزهد، يرجع إليه الناس فى كل ما يتعلق بأمور دينهم ودنياهم، وتفقه على علماء عصره، مما كان له أثر كبير فى نفوس أتباعه ومريديه وأحبابه وذويه.
أما أخوه عبد الله فقد أنجب ثلاثة أولاد: هم عمر، أبو النجيب، ومحمد وقد لقن القاضي وجيه الدين عمر بن عبد الله، وعمر هذا هو أبو حفص عمر بن عبد الله بن محمد بن عمويه البكري السهرودي البغدادي الملقب بعمر البكري.
(11) عمر البكري رضى الله تعالى عنه
لقن القاضي وجيه الدين: أبا النجيب السهروردي والذي جدد العهد مرة ثانية على عمر البكري تبركا، وهما من أبناء القرن الخامس والسادس الهجري.
أما أخوهم محمد، فهو الذي أنجب عمر الملقب بشهاب الدين السهروردي أبو حفص، ويقال له أبو نصر عمر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عمويه البكري السهروردي تلميذ أبى النجيب عمه، وصاحب الكتاب المشهور (عوارف المعارف)، فهو ابن ابن محمد البكري الثاني بن عبد الله بن محمد بن عمويه، لا من محمد البكري الأول بن عبد الله الشهير بعمويه الذي لقته السيد محمد الدينوري فى القرن الثالث الهجري.
(12) أبو النجيب السهروردي رضي الله تعالى عنه
هو عبد القاهر بن عبد الله بن محمد بن عمويه البكري السهروردي البغدادي الملقب بأبي النجيب وبضياء الدين ولد سنة أربعمائة وتسعين هجرية بسهرورد، وسكن بغداد إلى أن مات بها سنة خمسمائة وثلاثة وستين هجرية، ودفن بمدرسته على شاطئ دجلة، وقبره بها ظاهر يزار، كان من أكابر مشايخ العراق، وصدور العارفين، وأعيان المحققين، وأعلام العلماء، صاحب الكرامات الخارقة، والأحوال النفيسة، والأنفاس الصادقة، والمعارف السنية، وهو أحد من درَّس بالنظامية ببغداد، وتصدر للفتوى بها، ووضع الكتب المقيدة في علمي الشريعة والحقيقة، وقصده طلبة العلم ببغداد، وكان له القدم الراسخ فى التمكين، والباع الطويل فى اشرف الأخلاق، وانعقد عليه الاجماع من أكابر المشايخ والعلماء بالتعظيم والتبجيل والاحترام وأوقع الله تعالى محبته فى القلوب، وتخرج بصحبته غير واحد من أعيان المشايخ: مثال ابن أخيه شهاب الدين عمر السهروردي والشيخ عبد الله مطر وغيرهما رضى الله عنهم، وانتمى إليه من مشايخ الصوفية جمع غفير واشتهر ذكره في الأفاق، وقصد بالزيارات.
وله كلام فى الحقائق وتسليك المريدين، وآداب الصادقين كثير ومشهور منه: الأحوال معاملات القلوب وهي ما يحلو بها من صفات الأذكار فمن ذلك المراقبة ثم القرب بين يدي الله تعالى، ثم المحبة وهي موافقة المحبوب فى محبوبته، ثم الخوف، ثم الحياة، ثم الأنس، ثم اليقين، ثم المشاهدة، فمنهم من ينظر فى حال قربه عظمة الله تعالى التغلب عليه المحبة والرجاء.
ومن كلامه فى التصوف: التصوف أوله علم، وأوسطه عمل، وآخره موهبة، فالعلم يكشف عن المراد، والعمل يعين على الطلب، والموهبة تبلغ غاية الأمل، وأهله على ثلاث طبقات: مريد وطالب، ومتوسط سائر، ومنته واصل: فالمريد صاحب وقت، والمتوسط صاحب حال، والمنتهى صاحب يقين.
فأفضل الأشياء عندهم عد الأنفاس، ومقام المريد المجاهدات والمكابدات وتجرع المرارات ومجانبة الحظوظ وما للنفس فيه منفعة، ومقام المتوسط ركوب الأحوال فى طلب المراد، ومراعاة الصدق فى الأحوال واستعمال الأدب فى المقامات، وهو صاحب تلوين فإنه مرتق من حال إلى حال وهو فى الزيادة، ومقام المنتهى الصحو ثم الثبات، وإجابة الحق من حيث دعاه، قد جاوز المقامات وهو في محل التمكين، لا تغيره الأحوال ولا تؤثره الأهوال قد استوى فى حال الشدة والرخاء، والمنع والعطاء، والجفاء والوفاء، آكله كجوعه، ونومه كسهره، ظاهره مع الخلق، وباطنه مع الحق، وكل ذلك منقول من أحوال النبي صلى الله عليه وسلم.
كان إذا جلس فقير فى الخلوة يدخل عليه فى كل يوم يتفقد أحواله، ويقول له يرد عليك الليلة كذا ويكشف لك عن كذا وتنال حال كذا وسيأتيك شخص في صورة كذا ويقول لك كذا فاحذره فإنه شيطان، فيقع للفقير جميع ما أخبره به الشيخ، رضى الله عنه!
وقال الشيخ محمد عبد الله بن مسعود الرومي: مررت مع شيخي الشيخ عبد القاهر السهروردي رضى الله عنه بسوق ببغداد، فنظر الى شاة معلقة مسلوخة عند جزار وقال له: هذه الشاة تقول لي إنها ميتة، فغشى على الرجل، وتاب على يديه وأقر بصحة ذلك.
وقال: مررت معه مرة أخرى على الجسر فرأى رجلاً يحمل فاكهة فقال له بعنى هذه فقال ولم؟ قال لأنها تقول لي أنقذني من هذا الرجل فإنه قد اشتراني ليشرب على الخمر! فأغمى على الرجل وسقط على وجهه وأتى إلى الشيخ وتاب على يديه وقال: والله ما علم بحالتي التي أخبر بها الشيخ سوى الله تعالى.
وقال: اجتزت معه يوما بالكرخ فسمعنا أصوات سكارى فى دار، فدخلنا الدار فإذا الخمر قد صار ماء فتابوا جميعهم على يد الشيخ رضى الله عنه.
(34) مصطفى البكري رضى الله تعالى عنه
هو مصطفى بن كمال الدين بن على بن كمال الدين بن عبد القادر محيي الدين الصديقي الحنفي الدمشقي البكري ولد رضى الله عنه بدمشق في ذي القعدة سنة تسع وتسعين وألف توفى والده وعمره ستة أشهر ونشأ يتيما فى حجر ابن عمه المولى أحمد بن كمال الدين بن عبد القادر الصديقي وتربى عنده في داره الكائنة بجوار البيمارستان النوري، فاشتغل بطلب العلم فقرأ على الشيخ عبد الرحمن بن محيي الدين ومحمد بن محمود الحبال، وأبي النور عثمان بن الشمعة والشيخ عبد الرحيم الطواقي والعماد إسماعيل بن محمد العجلوني، وعبد الكريم بن محمد الكابلي وأجاز له الشيخ محمد بن محمد البديري الدمياطي الشهير بابن الميت، كما لازم الأستاذ العارف بالله الشيخ عبد الغني النابلسي، وقرأ عليه التدبيرات الإلهية فى إصلاح المملكة الإنسانية، ومواضع مختلفة متفرقة من الفتوحات الملكية وطرفا من الفقه، وأخذ الطريق كما ذكر فى كتاب الكوكب الثاقب عن شيخه الشيخ عبد اللطيف بن حسام الدين الحلبي الأحمدي الخلواتي وكان ذلك سنة 1116 هـ.
رباه شيخه وغذاه بلبان أهل المعرفة والتحقيق، ففاق الفرع الأصل، وظهرت به فى أفق الوجود شمس الفضل، فبرع فهما، وعلما، وأبدع نثراً ونظما، ورحل إلى جل الأقطار لبلوغ أجل الأوطار، كما دب على ذلك السلف، لما فيه من اكتساب المعالى والشرف، ولما رحل الى اسلامبول لبس فيها ثياب الخمول ومكث فيها سنة لم يؤذن له بارتحال، ولم يدر كيف الحال فلما كان آخر السنة قام ليلة فصلى على عادته من التهجد، ثم جلس لقراءة ورد السحر، فأحب أن تكون روحانية النبي صلى الله عليه وسلم فى ذلك المجلس ثم روحانية خلفائه الأربعة والأئمة الأربعة والأقطاب الأربعة والملائكة الأربعة، فبينما هو فى أثنائه إذ دخل عليه رجل فشمر عن أذياله كأنه يتخطى أناسا فى المجلس حتى انتهى إلى موضع فجلس فيه ثم لما خاتم الورد، قام ذلك الرجل فسلم عليه ثم قال له: ماذا صنعت يا مصطفى؟ فقال ما صنعت شيئا، فقال له: ألم ترني أتخطى الناس؟ قال بلى، إنما وقع لي أنى أحببت أن تكون روحانية من ذكرناهم حاضرة فقال له: لم يتخلف أحد ممن أردت حضوره، وما أتيتك إلا بدعوة والآن أذن لك فى الرحيل .. وحصل الفتح والمدد.
ومن الأقطار التي رحل إليها ومنها: دمشق - حلب - بغداد - بيت المقدس - الحجاز - وتنقل فى البلاد الشامية لزيارة من بها من الأولياء، ثم سافر مع والي مصر الوزير رجب باشا إلى الديار المصرية، وأخذ عنه بها كثيرون من أجلهم الشيخ محمد بن سالم الحفني، وأخذ هو بدمياط عن العلامة البديري، ومنها إلى حمص وحماه وحلب، فأخذ بها عنه الشيخ أحمد البني ثم توجه إلى دار الخلافة العلية فدخلها ونزل فى مدرسة سورتي، ثم تنقل الى مدارس كثيرة وبها اجتمع بالشيخ محمد بن أحمد التافلاثي.
وقد رزق بولد اسمه محمد كمال الدين، وما زال كذلك حتى رجع إلى دمشق ثم سافر إلى نابلس ومنها إلى القدس ثم إلى مصر فدخلها، واستأجر له الأستاذ الحفني دارا بجوار الجامع الأزهر فأقام بها عند قبة المشهد الحسيني رضى الله عنه، ثم مرض بالحمى وتوفى بها فى ثاني عشر ربيع الثاني سنة اثنتين وستون ومائة وألف هجرية ودفن بالمجاورين.
وله رضى الله عنه تأليف تقارب المائتين، وأحزابه وأوراده أكثر من ستين وأجلها ورد السحر، إذ هو باب الفتح والمدد، وله عليه ثلاثة شروح أكبرها فى مجلدين، وقد شد أركان هذه الطريقة وأقام رسومها، وأبدى فوائدها، ومنحه الله تعالى من خزائن الغيب ما لا يدخل تحت حصر، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم فى النوم وقال له من أين لك هذا المدد؟ فقال منك يا رسول الله .. ولقى الخضر عليه السلام ثلاث مرات، وعرضت عليه قطبانية المشرق فلم يرضها، وكان أكرم من السيل، وأمضى فى السر من السيف، وأوتى مفاتيح العلوم كلها، حتى أذعن له أولياء عصره ومحققوه فى مشارق الأرض ومغاربها، وأخذ على رؤساء الجن العهود، وعم مدده سائر الوجود ومناقبه لا تعد ولا تحصى وفيما أشرنا إليه كفاية لمن أردا.
الكتاب: النفحات الشذية فى سيرة أقطاب الطريقة الخلوتية
جمع وإعداد: احمد خليفة محمد و محمد صفوت بدوى
مراجعة: الشيخ الطاهر محمد الحامدى
تحت اشراف فضيلة مولانا العارف بالله تعالى الشيخ مروان احمد مروان رضى الله عنه