في ساحة كرم الحسين رضي الله عنه :
وكان من عادته رضي الله عنه المبيت في حي سيدنا الحسين رضي الله عنه إذا زاره، ويكون في تلك الليلة على حال طيبة، منبسطا منشرحا، يجيب رغبة كل طالب، ويقضي وطر الجميع،
ويقول: أنا الآن سعيد لأنني في جوار جدی وفي ساحته، فلا لوم ولا عتب، مما أنا فيه. حتى كان بعض المريدين ينتهز هذه الليلة، ويرجو الشيخ في بعض أموره في الطريق، أو في خاصة نفسه،
كأن يطلب من الشيخ رضي الله عنه مثلا: التعرض للحديث في بعض المقامات أو المشاهدات والمنازلات، أو بعض ما أدركه في طریقه من أذواق ومواجيد، ومشاهدات، أو يسأله فيما أشكل عليه من عبارات القوم،
أو في تفسير آية وتوافقها مع بعض الأحاديث الشريفة التي يفهم غير العالم بالله أن بينهما تعارضا، أو في شطحات وطامات ذوى الأحوال إلى غير ذلك،
فكان رضي الله عنه يشممنا من عبير تلك الحضرات التي کان لا يحدثنا عنها في غير تلك الزيارات.
ويقول لنا : إياكم وتسلق المقامات، أو التطلع إليها قبل الاستشراف عليها لئلا يدعيها أحدكم قبل أن ينالها فيهلك وتكون القاطعة، ثم يتناول الآيات أو الأحاديث أو عبارات السادة بالإيضاح والبيان، ويضرب لنا الأمثال بالمعقول والمحسوس لندرك المراد ونتذوق تلك المعاني، فيفيض علينا بالكثير من العلوم والمعارف حتى نحس إحساسا واضحا بأننا في عالم آخر، وتكاد أرواحنا تملأ الفضاء ولا يسعها الكون وكأننا في الجنة حقا إذ قد ورد :
"إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا" ، قيل : وما رياض الجنة يا رسول الله؟ قال : " الجلوس إلى عالم بالله " .
وكان رضى الله عنه يقول أثناء زيارته لمولانا الحسين رضى الله عنه :
إن هذه الليلة ليلة بسط فاسألوا ما شئتم وإن سعادتي لا تقدر، إذ إن جدی ناظر لى، ومدده واصل إلي لأني في ضیافته، وعلى المضيف إكرام ضيفه، ونحن جميعا في ساحات كرمه وضيوف حضرته وسادتنا کرام ينفحون كل قاصد، ويعطون كل طالب.
وكان رضى الله عنه يقضی تلك الليلة ساهرا وحوله من صحبه من أولاده في هذه الزيارة، ويصلى فجرها في المقصورة الشريفة، وبعدها نعد العدة للعودة إلى البلد، فنرجع مزودین بزاد كبير لآخرتنا ولسلوكنا في الطريق إلى ربنا.
من كتاب:المنار الهادي في خصائص شيخنا القاضي رضى الله عنه لخليفته فضيلة الشيخ عبد الجليل قاسم رضى الله عنه ص 335
نسخه سماحة الفقيه الشيخ ناجح رسلان حفظه الله ونفع به
اللهم صل على سيدنا محمد النور وآله وسلم