بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين
وصلى الله على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين
أما بعد: فهذه خمسة عشر مكتوبا للأستاذِ القطبِ الربَّاني و الغَوْثِ الصَّمداني الشيخ عبد القادر الجيلاني قدس اللهُ سرَّه العزيز، كانت بلسان العَجَميّ مُشتملةً على حكمٍ ومواعظَ، بأنواعِ بأنواع الاستعارة والتشبيهِ والاقتباسِ والتَّضمينِ لنَحْوِ مائتينِ و خمسةَ و سبعينَ آية قرآنية، ومُشيرةً إلى أذواقِ وأحوال الصُّوفيَّة، فنسخَ للفقيرِ علي بن حُسام الدّين الشَّهير بالمُتَّقي أن أعرَبَهُ وأُتَرجِمَهُ مَضمون المكتوبِ مع اعترافهِ بأنَّهُ مؤزَجي البضاعَةِ في العباراتِ لاسيَّما في التَّرجمة إشارةُ إمامِ أهل الإشارة وهي هذه:
المكتوب الأول
أيها العزيز إذا أَومضَتْ بُرُوقُ الشُّهودِ من غَمامِ فَيْضِ: (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ) وهَبَّتْ رَوايِحُ الوُصولِ مِن مَهَبِّ عِنَايَةِ: (يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ) تَزْهَرُ رَياحينُ الأُنْسِ في رياضِ القُلُوبِ و تَتَرَنَّمُ بَلابِلُ الشَّوْقِ في بَساتينِ الأرْواحِ بِنَغماتِ: (يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ). وتشتَعِلُ نيرانُ الاشتياقِ في كوانينِ السَّرائِرِ وَتَكِلُّ أجْنِحَةُ أطيَارِ الأَفْكارِ في فضاءِ العَظَمةِ من غايةِ الطَّيرانِ وَتَضِلُّ عنِ الطَّريقِ فَحُولُ العُقُولِ في بَوَادي المَعرفَةِ وتُزَلْزِلُ قَواعدُ أركانِ ألافهامِ من صَدَمَةِ الهَيْبَةِ وتَجْري سُفُنُ العَزائمِ في لُجَجِ بِحارِ: (مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) بِرِيَاحِ: (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَال) وعندَ تَلاطمِ أمواجِ بَحْرِ عِشْقِ: (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) يُنادي كلُّ واحدٍ بلسانِ الحَالِ: (رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) فَتُدْرِكُهُمْ سَابقَةُ عِنايةٍ: (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى) وتَنْزِلُ على ساحِلِ جُوِديِّ: (مَقْعَدِ صِدْقٍ) وتُوَصِّلُهُم الى مجَاَلسِ سُكارى: (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) وتَبْسُطُ لهم سُمَاطَ نَعيمٍ: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) وتُديرُ عليهم كُؤوسُ الوُصولِ من دِنانِ القُرْبِ بأيدي سقاة ِ: (وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا) و يَتشرَّفون بِمُلْك أبَدًا ودَولَة سَرْمَدًا: (وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا).
المكتوب الثاني
أيها العبدُ العزيزُ اجْعَلْ سَبيكةَ الطَّلبِ في بوتقة (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا) وأثْبِتْهُ في نار (وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ) فيصيرُ خالصاً من الخَبَثِ حتى تليقَ بِسكَّةِ (لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) ويزيدُ قدرَهَا وقيمتَهَا في سوق (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) واجعل هذا رأسَ مالِكَ فيَحصُلُ لك بضاعة (أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ) ويكشفُ لك رمزٌمن أسرارِ "والمُخلصونَ على خطرٍ عظيمٍ" ويلمعُ لك شُعاعٌ من أنوار (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) فتتحرَّكُ في قلبكَ داعي (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) وتَرتَقي من حَضيضِ (قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ) إلى أَوْجِ (وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى) وتَشْتَمُّ من نسيمِ قُرْبِ (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) لِتَهتزَّ منهُ شجرةُ قلبكَ و تَتعرَّى من الأغيارِ بعواصِفِ خَريفِ (قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ) في بُستان تجريدِ (فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ) وتَهُبُّ عليكَ رِياحُ ربيعِ (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى) ويَمطُرُ عليك شَآبيبُ الفضلِ و سحائب (اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ) بقَطراتِ الفَيضِ فَتَخْضَرُّ رياضُ القُلوبِ من نبات (وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا) وتَثْمُرُ أشجارُ بساتينِ الأرواحِ من أَثْمارِ (إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) وتجري عيونُ الوُصولِ في أودِيَةِ السِّرِّ من يَنْبُوع (عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) ومُبَشِّر إقبالِ (ذلك فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ) يُبشِّرُكَ بِبِشارَةِ (أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) ويُنادي رِضْوانُ جَنَّاتِ نعيم (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) بِنِداء (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).
المكتوب الثالث
أيها العزيز خَف من يَوْمَ: [يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ] و تفكر في محاسبة [إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ] ولا تشتغل لحظوظ [أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ] واخفض رأسك في مراقبة: [فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ] وافتح عين قلبك في مشاهدة [وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ*إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ] واذكر من نعيم [وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ] عسى تسمع بقلبك نداء [ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ] [وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِالسَّلَامِ] و تنبه من غفلة نوم إِنَّمَا [الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ] واسلك على قدم رأسك في طلب درجات: [وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُون*أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ* فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ] و تركضُ جوادُ هِمَّتك عسى يستقبلك مُبَشِّرالطاف [اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ] بأطباق هدايا [لَهُمُ الْبُشْرَى] وتظفر بعساكر [وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ] على اعداء [إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ] و تخلص من شبكة هَواء [إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ] وتظهرُ على لَوْح قلبك رقومُ لطائف أسرار [وَاتَّقُوااللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ] و تذّكر طائر روحك حظائر القدم ويطير في فضاء [فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا] بجناح الشوق و تجتني من ثمار الأنس في بساتين [كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ] و تجتلي مرآة سرِّك من لوامع أنوار التجليات فيكشف عليك سر [يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَار] وتخضر روضة قلبك من أمطار مراحِمِ [وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ] فتصير كلها كروضة الإرَم و تفهمُ سر رموز [وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا] و يستر عن عينك أستار [فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ] فتستغرق انت في كمال المشاهدة، مرة تغرق من بحار استغناء [إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ] و مرة تتحيَّر في ورطة سُموم هيبة [أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ] و مرَّةً من الشوق تترنم كالعندليب في بستان التمجيدعند هبوب نسيم لُطف [وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ] فترتفع عقيرتك من غلبات الوجود بنغمات [إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ] فيقول الحساد بلسان الملامة [تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ] فلما رأَوا تأثير [أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا] فدعوا بالتضرع والعجز [اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ] وقالوا بالصدق و الإخلاص [تَاللَّهِ لَقَدْ آَثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا] وأنت تقول في مناجاة [رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَالسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ].
المكتوب الرابع
أيها العزيز التغافل و الغرور بالحياة الدنيا ليس من علامات السعادة أما تسمع بسمع القلب خطاب [أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ] أما تخاف من وعيد [مَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا] أما تتفكر في تهديد [اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ] أما تذكر من توبيخ [مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ] أما تتنبه من تنبيه [فَأَمَّا مَنْ طَغَى *وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا*فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى] إلى متى تَتحيَّر في تيه الغفلة و تتقيد بقيد الشهوات ادخل الى صومعة [تُوبُوا إِلَى اللَّهِ] و توجَّه بتلك الحضرة في محراب [وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ] وقل بلسان الصدق [إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ] عسى يكشف لك نفائس أسرار [وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَات] من خزائن ألطاف [إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] و يبشرك بمزيد عناية [إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ] فتدرج لمدارج [تُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ] ويناديك الاقبال بلسان الحال [إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ].
المكتوب الخامس
أيها العزيز إذا طلعت شموس المعارف من مطالع سموات السرائر لتنور أراضي القلوب من نور [وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا] ترتفع أغطية ظلام الجهالة عن بصاير العقول بكحل [فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ] فتتحير عيون بواطن الأفهام في مشاهدة لوامع أنوار القدس و تتعجب خواطر الأفكار من مكاشفة عجائب أسرار الملكوت و تتيه من هيجان الشوق في بواد الطلب فتأنس في مواطن القرب من غلبات الشوق و منادي [إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ] ينادي [وهو مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ] فلما اطلع على سر المعية فقد وجوده [وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ] فلما غاص في بحار فناء [لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ] ليحصل جوهرة التوحيد رمت به أمواج الغيرة في بحر محيط العظمة فكلما قصد الساحل وقع في ورطة الحيرة فيقول [رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي] فتدركه مراكب أمداد الطاف [وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ] فتنزله على ساحل لطف [نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ] وتسلم اليه مفاتيح خزائن أسرار [وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا] و تطلعه على رموز [وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى] فتعلم معنى [فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى] وتفهم اشارة [لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى].
المكتوب السادس
أيُّها العزيزُ إذا غَلَبْتَ عَساكرُ جَذباتِ عنايَةَ (اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ) ولايةُ القُلوبِ ذَلَّتِ ورَاضَتِ طوامِحُ النُّفوسِ الأمَّارةِ بِلجامِ رياضَةِ (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ) وأَدْخَلَتْ جَبابِرُ الأهْوِيَةِ في سجنِ التَّقوى في سلاسلِ المجاهدةِ و قيَّدتْ فراعنُ الأُمنيةِ بأغلال (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) أدبتْ عُمَّال الإراداتِ والاختياراتِ بتأديبِ (مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ) وهدَمتْ مُحْدَثاتُ الرُّسومِ والعاداتِ وقواعدُ أركانِ التَّلبيسِ والطَّاماتِ بالكلِّيَّةِ ونادى مُنادي الحالِ بلسانِ الصِّدقِ (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً) فإذا صفتْ و طهرَتْ عَرْصَةُ القلوبِ من لَوْثِ شَوائبِ أَكدارِ (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) وتَعطَّرتْ حدائقُ الأرواحِ من نسائم لطائفِ (أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ) وصارتْ مشكاةُ الضَّمائِرِ من لوامع أنوار (وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ) مرآة بوارقِ الشُّهودِ (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ) صِفةُ حالهِ و تَتَلاشَى رَواسي الأشواقِ (هَبَاءً مَنْثُورًا) ويقولُ بلسانِ الصِّدقِ (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ) و يُنْفِخُ إسرافيلُ العشق صُورَ (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) حتى يظهرَ صاعقةِ (فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) فيَدْرِكُهُمْ ويمكنهم مُبَشِّرُ إقبال (لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) و يدعوهم إلى عِلِّيِينَ (مَقْعَدِ صِدْقٍ) ببشارةِ رضوانِ (بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ) ويُفتحُ لهم أبوابُ (جَنَّاتِ النَّعِيمِ) و يقول لهم (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) وهم يَقولون (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ).
المكتوب السابع
أيها العزيز تجاوز عن عالم غرور (فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) واذكر منازل أهلِ الحُضور (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ) عسى تشُمَّ بِمَشَامِ قلبكَ رائحةً من نفحاتِ بُستانِ (فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ) وتَشربُ جُرعَةً من جَامِ (يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ) و تُكشفُ عليك دقائِقُ (لقد جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) وأنت على بساط تفريدِ (وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ) و تسمعُ من مَسامِرِ أنسِ (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) وسرِّ (شَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) فتارةً تَطْرُبُ من غايةِ الشَّوقِ بِاِلْتِذَاذِ نغمات خطابِ (فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) وتارة تَخْفضُ رأسكَ من مُراقبةِ الحُزن من سَطَواتِ هَيْبَةِ (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ) وتارةً تَتَمسَّكُ بحَبلٍ مَتين (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً) وتارةً تتعلَّقُ بِعِلاقِ (وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ) وتارةً تنجوا بساحلِ (وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ) وتَجتني من حدائقِ (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوالِقَاءَ رَبِّهِ) ثَمَرات (فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً) وتَغرِفُ بأيدي الإخلاص من أنهار (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا) في ظل سِدْرَةِ (إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) وتَتَمتَّع من مائدَةِ نَعيم (وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ) و تسمعُ من مُنادي الفضلِ نِداءَ (يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ).
المكتوب الثامن
أيها العزيز إذا وصلت نَغمَةٌ مِنْ أَميرِ الأُنْسِ لِمَسامِعِ القُلوبِ تَذَكَّرْتَ لَذائِذَ اسْتِماعِ نَغماتِ (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) وسَكَراتِ حَالاتِ (قَالُواْ بَلَى) ويَترَنَّمُ عَندليبُ الأَحزَانِ بِأوتارِ نَغماتِ حَسْرَةِ (يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ) وصَوَّتَ عُودُ الكُرُوبِ بِرنَّةِ انْكِسارِ (وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ) وواصَلَ طنْبُورِ الفِراقِ صَداءَ (إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ) بإيقاعِ (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) ولمَعَ بَرَقَاتُ جَذباتِ الشَّوْقِ في فَضاءِ سَمواتِ السَّرائِرِ لَمَعان (يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ) بِحَيثُ يَنْطَمسُ بَصائِرُ عُيُون العُقُولِ وَتَقطُرُ عبَراتُ الأَسفِ من سَحائِبِ عَيْنِ الأَرواحِ بِحَيثُ تَخْضَرُّ مَزرَعَةُ أَراضي (مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ) بِنباتاتِ (وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً) وَتُعَطِّرُ حَدائقُ آمَالِ (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) بِنفحاتِ رَوائِحِ (إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ) بِالكُلِّيَّةِ وتَثْمُرُ أَغصانُ أَشجارُ الصَّبرِ بِثِمَارِ (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) في غَايَةِ الكَمَالِ وتَهْتَزُّ بِرِياحِ عِنايَةِ (هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) وَمُنَادي (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ) يَنَادي (إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ).
المكتوب التاسع
أيُّها العَزيز أَعْرٍضْ عن دَوَاعي شَهواتِ (وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ) واخْرُجْ من غَفلَةِ مَوَاطِنِ (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا) واجْتَنِبْ صُحْبَةَ أهْلِ قَسْوَةِ (فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ) واسْتمعْ بِسَمعِ قلبكَ من مُنادي (اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ) نِداءَ (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ) وانْتَبه من نومِ غُرورِ (وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ) تَنبيه (أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى) واسأل عن أخبارِ مَقامات أهلِ حُضُورِ (رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ) وسافِر إلى كعبة المقصودِ بِقِدَمِ الرَّأسْ ِفي بادية انقطاعِ (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) بزادِ تَجريدِ (قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ) على رَاحلة تَفويضِ (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ) مع قافلةِ أهلِ صِدْقِ (وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ) و اعبُرْ عن مَساكنِ زَخارفَ دُنيا (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا) واسْلِمْ من سُبُل مَهالكِ فِتَنِ (أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ) واسْتَقبِل مناهِجَ مَسالك هُدَى (إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً) وادْعُ بِلِسانِ اضْطِرَارِ (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ) بالتَّضَرُّعِ والعَجزِ قائلًا (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ) حتى يُواجهُكَ مُبَشِّرُ عنايَةِ قَديم (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) بِبِشارَةِ تَحِيَّةِ (سَلَامٌ قَوْلاً مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ) ويَحْمِلُكَ على (نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ) ويدعوك الى جنات النَّعيمِ (فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ) فيَهبُ عليك نسيمُ عَنْبَر الوِصالِ مِن كلِّ جانبٍ وتُدارُ أقداحُ شَرابِ المحَبَّةِ بِأيدِي سُقَاة الغيب بفِنَاءِ مشاهد الشُّهود (إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً) ويَسْمُرُ مُنَادِمَ الأُنس سَمْرَ (وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً) و يَطْنُبُ في ديباجَةِ (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً) فتذوقَ نَواظرُ عُيونِ البصائرِ سَكراتِ حالاتِ (وَخَرَّ موسَى صَعِقاً) فلما عايَنتْ آثار مشاهدات (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ الى ربها ناظرة) اعترفت بالعجز وقالتْ بلسان الحالِ (لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ).
المكتوب العاشر
أيُّها العَزيز إن لَمْ تَضَعْ جَبْهَةُ الاضِطِرارِ على تُرابِ العَجزِ ولم تَمْطُرْ مِنْ سَحَائِبِ الأَعْيُنِ دُمُوعَ الحَسرةِ لا تَخْضَرُّ نباتاتُ طَرَبِكَ في بُستانِ العَيش ولا تَلفَحُ حدائقُ الرَّجا على مُرادكَ ولا تُورقُ أغصانُ الصَّبرِ بأوراقِ الرِّضَا وريَاحينِ الأُنسِ ولا تَثْمُرُ بِثمراتِ قُرْبِ (وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ) ولا تُدركُ حدَّ الكمالِ ولا يترنَّمُ عَندليبُ القلبِ بَنْغَمِة الشَّوْقِ ولا تطيرُ قُمَارَي قلبكَ بأجنحة (إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ) من قَفَصِ (أَمْ لِلْإِنسَانِ مَا تَمَنَّى) ولا تَعْبُرُ إلَى فضاءِ (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ) ولا تَبلغُ الى سِدْرَةِ (مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ) ولا تَجنِي من ثِمارِ (لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ) ولا يصلُ الى َمَشامِ قَلبِكَ نَسيمٌ من بُستانِ (وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) ولا يَستنشقُ خَيْشُومِكَ من عَرَقِ وَرِدِ (لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ).
المكتوب الحادي عشر
أيها العزيز إذا ظَهرتْ تَباشيرُ صُبْحِ نُورِ التَّوحيدِ على القُلوبِ من أُفُقِ مشارِقِ (وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ) واستوَتْ شُموسُ عَيْن اليَقينِ على بُرُوجِ أفلاكِ (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا) توارتْ ظُلماتُ وُجُود البَشَرِيَّةِ فِي ضَوْءِ أَنْوارِ لَمَعانِ (يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) و ظهر سِرُّ (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ) وَرفعَ النِّقابَ عن وَجهِ سَابِقَةِ عِنايةِ (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ) وعَارِضْ عَسْكَرَ الشَّيطانِ (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ) في معركة (فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً) بإعانَةِ جُنودِ (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ) مع عَسْكَرِ القَلْبِ وهُمْ يقولونَ بِلِسانِ الصِّدِْق و الاضْطِرَارِ (وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي) ويَدعُوا مع التَّضَرُّعِ والعَجْزِ (وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) فهَاتِف (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ) يُنادي (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ) فَيُدرِكُهُمْ إِمْدَادُ أَسرارِ (وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) مع أعلامِ (إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) بطليعَةِ (إِنَّا فَتَحْنَا) وتَسلَّ سُيُوفُ (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا) مِنْ غَمَدِ (نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء) وَتَصُولُ على الأعداءِ فَتُظْهِرُ آثار (فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ) وَتَواترتْ أَخبارُ (نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ) ويُنادِي مُنادي الحالِ (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
المكتوب الثاني عشر
أيها العزيزُ اخرُجْ من مُهْلَةِ (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) واجْتنِبْ مِنْ مَشْغَلَةِ (شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا) وارفَعْ رِجْلَ هِمَّتكَ من حَضِيضِ صُحْبَةِ المُنقطعينَ في تَيْهِ غَفْلَةِ (نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ) وارْكُضْ جَوادَ طَلبِكَ في مَيدَانِ العِشقِ واذْهبْ بِصَوْلَجانِ استِعانةِ (اسْتَعِينُوا بِاللّهِ) كُرَةَ سَبَقَةِ (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُون أولئك المُقَرَّبُونَ) إلى غايةِ (أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) عسى يُبشِّرُ بَريدُ دَوْلَةِ (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ) بِبِشارَةِ (إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ) و يُعْطِيكَ مَنْشُورُ (قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ) فإذا أطْلَعْتَ رُموزَ المَكْنونَاتِ أسرَعْتَ بِقَدَمِ الرَّأْسِ الى سُبُلِ السَّلامِ (وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً) وقَصَدْتَ مُتَنَِّزَه (أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ) وسَألْتَ عن أَخبارِ خُلْدِ جَنَّاتِ النَّعيمِ (دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) فَيُدركُكَ مُبَشِّرُ عِنايةِ (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى) فيُخْبِرُكَ عن مَمالكِ دَارِ سَلامِ (رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ) واحِدَةٌ بَعدَ واحِدَةٍ ويَدعوكَ الى سَريرِ (وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) ويَتَنَوَّلُكَ بِتَنْوِيلِ (لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ).
المكتوب الثالث عشر
أيها الأخ إذا لاحت لوامع أسرار (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) على مشكاة الضمائر تَتنوَّرُ من تَأثيرها زُجاجةُ القلبِ نُورُ المِصباح فِي زُجَاجَةٍ (الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ) وتَلمعُ بوارقُ كُشوفِ (يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ) من سُرادقاتِ غَمامِ (لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ) و تَسرَجُ قناديلُ فِكرةِ (يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ) فتتزيَّنُ سماواتُ السَّرائرِ كُلُّها بنُجومِ حُكمِ (وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) وبِنجُومِ زينَةِ (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ) وطَلَعَ أقمار الحضورِ من أُفًقِ (نُّورٌ عَلَى نُورٍ) وتَعْرُجُ على بَروجِ اسْتِعلاءِ (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ) وتَنتَصِفُ ليالي غَفلةِ (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى) بِصفةِ (إِذَا تَجَلَّى) وتفوحُ رياحين الذِّكرِ من نعيمِ (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ) وتَترنَّمُ بَلابِلُ أسحارِ (كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) بنغماتِ الأحزانِ والأسَفِ فَيَسْفُرُ صُبْحُ دولةِ (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ) وتَطْلَعُ شُموسُ المَعارفِ مِنْ مَطْلَعِ (مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ) فتَظهر أسرار (لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) وتَكشِفُ من خفايا الأشكال لَطائفَ غَوامضَ أسرارِ (وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
المكتوب الرابع عشر
أيها العزيز اذا بلغَتْ شُموسُ سماء المعرفة إلى كَمالِ بُروجِ (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) و عرجَ لَوْحَ المحبَّةِ على مَعارِجِ مدارجَ (وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) تَلمعُ بَوارقُ ََنوارِ (وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً) و يشاهدُ عَينُ اليقينِ آثارَ (أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ) في عظيمِ مَشاهِدِ (لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ) و تَطلَعُ على دفائِنِ أَسرارِ (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) و تَشْرُفُ على دَقائقِ حقائقِ (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ) (وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) و تصيرُ مُحْرَماً لِرُمُوزِ (فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ) وتَهُبُّ رياحُ فَيْضِ (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ) ورَوايحِ فضلِ (نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء) من مَهَبِّ (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ) في بَساتينِ (إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) وتُورقُ بأوراقِ الشُّهودِ وتَثْمُرُ بِثمارِ التَّجلِّي إلى حَدِّ كَمالِ أشجارِ رياضِ (إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ) و تَجري يَنابيعُ وُصولِ (ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ) من شوائخِ جِبالِ (وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) مَسيلَ أوديةِ القلوبِ فيُخبرها هاتفُ الغيبِ على أَلسَنةِ الخَلائقِ خبر (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً) ومُبشِّرُ الإقبالِ يَتَفَوَّهُ بِبِشارةِ (يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ) و يُدركُهُم الرِّضوانُ من (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) مع تُحف تَحِيَّاتِ (سَلَامٌ قَوْلاً مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ) و يَفتحُ مائدةَ رضوان نعيمُ (رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ) و يقول (وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ).
المكتوب الخامس عشر
أيُّها العزيزُ لا بُدَّ من قلبٍ سليمٍ يَفهمُ رُموزَ (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ) وفَهمٍ كاملٍ يُدركُ دقائِقَ أسرارِ (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ) وبصرٍ صادقٍ يُشاهدُ بعين القلبِ شواهدَ معرفةِ (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) ويستقبلُ بقلبهِ دَواعي وُصولِ (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) وينتبهُ من نوزِ غفلةِ (وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) من زَواجرِ تنبيهِ (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً) ويستمسكُ بعُرْوَةِ وُثْقَى (وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ) وَيَركبُ على سفينةِ (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ) في بحرِ (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) ويَغوصُ فيهِ باذلاً روحَهُ فَإن ظَفَرَ على جَوْهَرِ المَطلوبِ (فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) وإن تَلَفَتْ مُهْجَتُهُ (فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ).
انتهى